طلب فتوى
الأقضية والشهاداتالفتاوى

ما حكم من يرفض اللجوء إلى تحكيم الشرع في الخلاف والخصومات؟

متى يكون الرافض لتحكيم الشرع ظالما أو فاسقًا أو كافرًا؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3960)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

ما حكم من يرفض اللجوء إلى تحكيم الشرع في الخلاف والخصومات؟ ومتى يكون الرافض لتحكيم الشرع ظالما أو فاسقًا أو كافرًا؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن التحاكم إلى شرع الله من مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، والتحاكم إلى غير الشرع يتنافى مع الإيمان بالله عز وجل، وهو كفر لمن تعمد أن يقدمه على شرع الله تهاونا به، يقول الله تعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُون﴾ [المائدة:44]، وبيَّن الله تعالى أن الحكم بغير ما أنزل الله من حكم الجاهلية، وأن الإعراض عن حكم الله تعالى سبب لحلول عقابه وبأسه الذي لا يردُّ عن القوم الظالمين، يقول سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَّفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُّصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:49-50].

أما متى يكون الرافض لتحكيم الشرع ظالما أو فاسقا أو كافرً؛ فإنّ في تفسير الآية التي نصّت على أن من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر أو ظالم أو فاسق خلافًا بين العلماء، قال ابن العربي رحمه الله في قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾: (اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُفَسِّرُون، فَمِنْهُم مَّن قَالَ: الْكَافِرُونَ وَالظَّالِمُونَ وَالْفَاسِقُونَ كُلُّهُ لِلْيَهُودِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْكَافِرُونَ لِلْمُشْرِكِينَ، وَالظَّالِمُونَ لِلْيَهُودِ، وَالْفَاسِقُونَ لِلنَّصَارَى، وَبِهِ أَقُولُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرُ الْآيَاتِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ) [أحكام القرآن 3/213].

وأمّا تنزيل الآية على من لم يحكم بما أنزل الله من المسلمين، فتفصيله إنْ حَكَمَ المسلم بِمَا اخترعه من القوانين والنظريات  عَلَى أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؛ فَهُوَ تَبْدِيلٌ لما جاء عن الله يُوجِبُ الْكُفْرَ، وكذلك إن حكم بما عنده على أنه خير من الحكم بشرع الله وأصلح بأحوال الناس فهو أيضا كفر لأنه تقديم لآراء الرجال على كتاب الله وتهاون بأحكامه وَإِنْ حَكَمَ بِهِ هَوًى وَمَعْصِيَةً مع الإقرار بأن شرع الله هو الأصلح فهو فسق ومعصية وهذا معنى كلام طاوس وغيره في تفسير الآية: (لَيْسَ بِكُفْرٍ يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ، وَلَكِنَّهُ كُفْرٌ دُونَ كُفْرٍ). [أحكام القرآن: 3/213].

عليه؛ فينبغي للمسلم أن يحكِّم شرع الله ويتحاكم إليه، فهو مقتضى العبودية لله، والشهادة بالرسالة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَّقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُّطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور: 51-52]، والإعراض عن ذلك، أو شيء منه، موجبٌ لعذاب الله وعقابه، وهذا الأمر سواء بالنسبة لما تعامِل به الدولة رعيتها، أو ما ينبغي أن تدين به جماعة المسلمين في كل مكان وزمان، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

25/ذو الحجة/1440هـ

26/08/2019م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق