طلب فتوى
الزكاةالعباداتالفتاوىالقرضالمعاملات

ما كيفية التعامل مع المدين المعسر من الناحية الشرعية؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5138)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

خلال تجارتي في مجال العقارات ببلدية س، اشتريتُ قطعة أرضٍ، فتبيَّن أنها متنازعٌ في ملكيتها، فلم أتمكَّن من بيعها، وترتَّب عليَّ بسبب ذلك ديونٌ كثيرة، وقد قصدْتُ جهاتٍ خيرية بما فيها صندوق الزكاة دون فائدة؛ وذلك لكون القيمة كبيرةً؛ ولتأجيل مساعدةِ الغارمين في الوقتِ الحالي، لكن الدائنينَ مصرون على المطالبة بحقوقِهم وعدمِ إنظاري، مما اضطرني إلى الخروجِ من مدينة س إلى مدينة ط، للعملِ في مشروعٍ قد يساعدني على أداءِ ديوني، فهل عليَّ إثم إن توفَّاني اللهُ -وأنا باذل الجهد في أداء الديون- قبل أدائها؟ وما حكم إلحاح الدائنين على المدين في المطالبة بديونهم، إنْ ثبتَ عسرُهُ، والتضييقِ عليه، والتشهيرِ به بينَ الناس؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فمنِ استدانَ بنيةِ القضاء عازمًا على ذلكَ، في غير سرفٍ ولا فسادٍ، فلا إثم عليهِ إن توفِّي قبل أدائه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (‌مَنْ ‌أَخَذَ ‌أَمْوَالَ ‌النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) [البخاري: 2387].

وهذا ما لم يتماد المدين في المداينة بعد أن علم فشل مشاريعه وعدم جدواها كما يفعل كثير ممن غرقوا في الديون؛ يجرب المرة فيخسر، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم يتمادى ولا يكفّ، ويستمر في المداينة زاعما أنه سينجح في المشروع الجديد، فمثل هذا مفرّط، ولا يُحمل على أنه ممن أخذ الديون يريد أداءها، بل يحمله على ذلك الطمع، والزيادة في أخذ أموال الناس، والديون في هذه الحالة ستلحقه، عاجلا وآجلا.

وفي جميع الأحوال يجبُ على المدينِ أن يجتهدَ في أداء دينه، ويوصي به بعد موتهِ، إن تعذرَ عليه الوفاءُ في حياته، حتى تبرأَ ذمته، ولا يعرضَ نفسه للعذابِ، فإن فعل ذلك صادقًا، أعانه اللهُ على أدائِهِ.

فإذا بذل المدين جهده في الأداءِ، ساعيًا في الخلاصِ، ولم يكن له مالٌ، وثبتَ عُدْمه، فهو في عفوِ اللهِ إلى أن يوسِرَ، قال ابن رشد رحمه الله: “وَأَمَّا الْمُعْسِرُ الْمُعْدمُ فَتَأْخِيرُهُ ‌إِلَى ‌أَنْ ‌يُوسِرَ وَاجِبٌ، وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ لَازِمٌ؛ لِقَوْلِ اللهِ عز وجل: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ ‌فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسُرَةٖۚ﴾” [المقدمات الممهدات: 307/2]، ووجب على الدائنين إنظارُهُ، وعدم التعرضِ له إلى أن يوسِرَ، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: (أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ: خُذُوا ‌مَا ‌وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ) [مسلم: 1556].

أما إن كان المدين معسرًا غير معدم، له ما يقضي به دينه من المالِ، ولكن تعجيل الأداءِ يوقعه في ضيقٍ وحرجٍ يضرَّانِ به، فتأخير هذا المعسر إلى أن يتيسرَ حاله مندوبٌ إليه، مرغبٌ فيه، فعن أبي اليسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللهُ فِي ظِلِّهِ” [مسلم: 3006]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

15//شعبان//1444هـ

07//03//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق