طلب فتوى
البيعالتبرعاتالفتاوىالمعاملاتالهبة

هل يجوز توثيق العقود المزورة؟

ما حكم التحايل على إسقاط شرط الحيازة في الهبة بالتوليج؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4735)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

لديَّ مكتب محرر عقود، ويأتيني زبائن للتنازل عن البيت للبنات؛ خوفًا من بيع الورثة للبيت بعد الوفاة، فيُطلب مني كتابة تنازل عن عقار وإقرار بالبيع، فهل يجوز ذلك؟ علما أني أستفسر من الزبون، فإذا علمت من حاله قصد حرمان العصبة أرفض تقديم الخدمة له، وإن كان لضعف حالته المادّية وخوفه على البنات من الضياع إذا بيع البيت أوثّق له العقد.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن إقرار المالك ببيع شيء من أملاكه لأحد ورثته؛ تحيّلًا على إسقاط شرط الحيازة في الهبة؛ توليجٌ باطل، ولا يفيد نقل ملكية المقرّ به إلى المشتري إن اطُّلع على ذلك، بل يكون بعدَ وفاة المالك ميراثًا، يقسم على جميع الورثة، قال حجازي العدوي رحمه الله: “‌وَالتّوليجُ أَنْ يُريدَ المَالِكُ إِدْخَالَ شَيْئِهِ فِي مِلْكِ غَيرِهِ مَجّانًا، وَيَتَعَذّرُ ذَلكَ لِفقْدِ شَرطٍ مِنْ شُروطِ الهِبَةِ وَالصدَقَةِ وَهوَ الحَوزُ؛ بِسبَبِ كَوْنِ الدّارِ مَسكَنًا لَهُ وَيَعسُرُ عَليهِ الخُروجُ مِنهَا، أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الاتّهامِ، فَيَحتَالُ عَلَى تَصحيحِ ذَلكَ بِإِيقَاعِهِ عَلَى صُورَةِ المُعَاوَضَةِ التِي لَا تَفْتَقِرُ لِحَوْزٍ، فَإِذَا اطُّلِعَ عَلَى ذَلِكَ عُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَالاطّلاعُ إِمّا بِإِقْرارٍ أَوْ بَيّنَةٍ” [حاشية المجموع: 3/390].

ولا يجوز لمحرّر العقود أن يوثق عقد البيع المُتحيَّل به وهو يعلم أنّه كذب وخداع؛ لأنّ ذلك من قبيل شهادة الزور، التي هي من كبائر الذنوب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قَالَ: قَوْلُ الزُّورِ، أَوْ قَالَ: ‌شَهَادَةُ ‌الزُّورِ) [البخاري: 5977]، وقال الجزيري رحمه الله: “يَجِبُ عَلَى الموثّقِ أَن يَتّقِيَ اللهَ تَعالَى، فَيَكْتُبَ كَمَا عَلّمَهُ اللهُ وَينْصَحَ فِيهِ لِمَنِ اسْتَعْمَلَهُ، فَيَتَوَثّقُ لِلمُحِقِّ، وَيَتحرَّزُ مِنْ إِبْطَالِ حَقٍّ” [المقصد المحمود: 2]، وقال ابن مغيث رحمه الله: “يَجِبُ عَلَى ‌مُرسّمِ ‌الوَثِيقَةِ أَنْ يَجْتَنِبَ فِي تَرْسِيمِهَا الكَذِبَ وَالزّورَ وَمَا يُؤدّي إِلى تَرْسِيمِ البَاطِلِ وَالفُجورِ، فَإنّ النَاقدَ بَصيرٌ يَسأَلُهُ عِندَ وُقوفِهِ بَينَ يَدَيْهِ عَنِ النّقيرِ وَالقِطْمِيرِ، وَقَدْ تَمَالَأَ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ عَلَى التَهاوُنِ بِحدُودِ الإِسلامِ، وَالتّلاعُبِ فِي طَريقِ الحَرَامِ، (‌وَسَيَعْلَمُ ‌الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ)” [توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام: 1/70]، والخوفُ على البنات من بيع الورثة للبيت، لا يعدّ عذرًا يبيح توثيق العقد المزوّر؛ لأنه وسيلة يُمنع بها الورثة من الوصول إلى حقّهم في البيت بعد وفاة المالك، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الرحمن حسين قدوع

عبد الدائم سليم الشوماني

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

07//جمادى الأولى//1443هـ

12//12//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق