طلب فتوى
التبرعاتالجنائزالعباداتالعقيدةالفتاوىالمعاملاتالوقف

هل يجوز نبش قبر لإخراج سحر منه؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4938)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

تعاني شقيقتي من سحر منذ ثلاث وعشرين سنة، أثّرَ على حياتها صحيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا، وتعطّلت حياتها، فلجأتْ إلى الرقية الشرعية عند بعض المشايخ، واستمرت على ذلك، وفي إحدى جلسات العلاج بالقرآن نطق الجانّ المتلبس بها، وأخبرهم بأن من سَحَرَها (فلان)، ووضع السحر في مقبرة في غريان، وآخر في مقبرة الصحابي (منيذر)، فذهبنا إلى مقبرة غريان، ودخلتْ أختي للمقبرة، وجاءت تحت شجرة وانهارت بالبكاء، وجعلتْ تضربُ الشجرةَ، فوجدنا السحر معلقًا في شجرة داخل المقبرة، فأبطلناهُ والحمد لله، وبعدها ذهبنا إلى مقبرة الصحابي منيذر، فلمّا وصلنا انهارتْ أختي بالبكاء واستنطق الجانّ، وقرأ عليها الراقي، فذهبت إلى قبر معين، وقالت: هنا موجود السحر، واستعمل الراقي الماء المرقي وسكبه على القبر، رجاء إبطال السحر، لكن دون جدوى، فهل يجوز لنا نبش القبر لاستخراج السحر، وإنهاء معاناة أختي، مع التكفل التام بالحفاظ على حرمة الميت والقبر، وإرجاعه كما كان؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن للقبر حرمته؛ وهو حبسٌ على الميت، لا يجوز التعدي عليه وانتهاك حرمته، ومن ذلك نبشه، فلا يجوز ما دام فيه عظام للميت لم تبل، إلا لضرورة؛ وفي الحديث: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) [أبو داود: 3207]، وقال الدردير رحمه الله: “(وَالْقَبْرُ حُبُسٌ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يُنْبَشُ) أَيْ: يَحْرُمُ نَبْشُهُ (مَا دَامَ) الْمَيِّتُ (بِهِ) أَيْ: فِيهِ (إِلَّا لِضَرُورَةٍ) شَرْعِيَّةٍ؛ كَضِيقِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، أَوْ دَفْنِ آخَرَ مَعَهُ عِنْدَ الضِّيقِ، أَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَأَرَادَ إِخْرَاجَهُ مِنْهُ، أَوْ كُفِّنَ بِمَالِ الْغَيْرِ بِلَا إِذْنِهِ، وَأَرَادَ رَبُّهُ أَخْذَهُ قَبْلَ تَغَيُّرِهِ، أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالٌ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ، وَمَفْهُومُ (مَا دَامَ) أَنَّهُ إِذَا عُلِمَ أَنَّ الْأَرْضَ أَكَلَتْهُ، وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ عِظَامِهِ، فَإِنَّهُ يُنْبَشُ، لَكِنْ لِلدَّفْنِ أَو اتِّخَاذِ مَحَلِّهَا مَسْجِدًا، لَا لِلزَّرْعِ وَالْبِنَاءِ” [الشرح الصغير: 1/577]، وقال ابن أبي زيد رحمه الله: “مِنْ (كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونَ): وَإِذَا ذُكِرَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَنَّهُمُ نَسَوْا فِي الْقَبْرِ كِيسًا، أَوْ ثَوْبًا لِرَجُلٍ، فَإِنْ كَانَ بِحِدْثَانِ ذَلِكَ؛ نُبِشَ، وَأَخْرَجُوا ذَلِكَ، فَإِنْ طَالَ ذَلِكَ وَشَاءُوا أَنْ يُعْطُوا صَاحِبَ الثَّوْبِ قِيمَةَ ثَوْبِهِ، فَذَلِكَ لَهُمْ، وَإِلَّا فَلَهُمْ أَنْ يَنْبِشُوهُ، وَيُخْرِجُوا مَا نَسَوْا” [النوادر والزيادات: 641/1].

عليه؛ فإن لم يكن ثَمّ طريقة أخرى ألبتةَ لإبطال السحر، إلا باستخراج السحر وإتلافه، فيجوز حينئذ نبشُ القبر؛ لأنها ضرورة أشدُّ من الضرورة التي ذكروها فيمن نُسي في قبره كيس أو ثوب، وأراد صاحبه ألّا يأخذ القيمة، فإنهم جوزوا النبش لذلك، وعدوه ضرورة، فالضرورة الواقعة على المرأة في السؤال، هي أشدُّ بكثير مما مثَّلوا به في مسألة الثوب ونحوه، وينبغي إبلاغ أهل الميت صاحب القبر إن عُلم أهلُه، والمجلس البلدي قبل القيام بالنبش، مع تزويدهم بصورة من الفتوى التي تجوّز لهم ذلك، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الرحمن بن حسين قدوع

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

18//محرم//1444هـ

16//08//2022م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق