طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالوقف

هل يمضي الحبس على الذكور دون الإناث إن صدر بحكم قضائي؟

هل التحبيس على النفس جائز؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3950)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

حبس السيد م على نفسه ثم على أولاده وأولاد أولادهم الذكور دون الإناث ما تناسلوا وامتد فرعهم في الإسلام وقد حكمت المحكة بصحته عام 1968م؟

الجواب:

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

أولًا: التحبيس على النفس باطل عند جماهير أهل العلم؛ لأنه مما لا نفع فيه، ولا قربى ترتجى من ورائه، وليس فيه سوى التحجير على النفس، قال الخرشي في شرحه على المختصر: “ومعناه: أَنَّ الْحُبْسَ عَلَى النَّفْسِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الْوَقْفُ كُلُّهُ بَاطِلًا إذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَلَمْ يُحَزْ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَمَّا إنْ حِيزَ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِنَّمَا يَبْطُلُ مَا يَخُصُّ الْوَاقِفَ فَقَطْ، وَيَصِحُّ مَا يَخُصُّ الشَّرِيكَ، وَيَكْفِي حَوْزُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ فِي صِحَّةِ وَقْفِهَا حَيْثُ تَعَيَّنَتْ، كَأَنْ يَقِفَ دَارَيْنِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى شَخْصٍ، عَلَى أَنَّ لَهُ إحْدَاهُمَا مُعَيَّنَةٌ وَالْآخَرِ الْأُخْرَى” [7/84].

ثانيًا: الحبس على الذكور دون الإناث، هو محل اختلاف بين أهل العلم، والصواب الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائز شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ) [البخاري:2587]، وفي المدونة: روى ابن وهب عن محمد بن حزم، أنه حدَّثَ عن عمرةَ بنتِ عبد الرحمن، أنها ذكرت أنّ عائشة رضي الله عنها إذا ذكرت صدقات الناس اليوم، وإخراج الرجال بناتهم منها، تقول: ما وجدت للناس مثلا اليوم في صدقاتهم، إلّا كما قالَ الله تعالى: (وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَّكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ) [المدونة: 4/423]، وقال الإمام مالك في رواية عنه: “إنّه مِن عملِ الجاهلية” [شرح الخرشي: 5/88]، وهو اختيار الشيخ خليل في المختصر، قال: “وَحَرُمَ – أي الوقف – عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ”، وهو المعتمد في أكثر المذاهب، وهذا الحبس على الذكور دون الإناث تم إلغاؤه، بصدور فتوى من مفتي الديار الليبية السابق، الشيخ الطاهر الزاوي رحمه الله سنة 1973م، وبعد هذه الفتوى صدر القانون رقم 16 لسنة 1973م بإلغائه.

عليه؛ فإنْ كان الواقع ما جاء في السؤال، فإنّ هذا الحبس على الذكور دون الإناث ماضٍ على ما شرطه الواقف، وذلك لصدور حكم قضائي بصحته قبل صدور القانون رقم 16 لسنة 1973م بإلغاء هذا النوع من الأحباس؛ لأن الحبس على الذكور دون الإناث فيه خلاف قوي بين الفقهاء في جوازه، وحكم الحاكم يرفع الخلاف، وكذا الوقف على النفس لما نصَّ الواقف على تقليده لبعض المذاهب المعتبرة لم يصح نقضه، ويمضي على ما فيه.

وعلى هذا التفصيل صدر قرار من مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء، وقد أرفقنا قرار المجلس مع هذه الفتوى، والله أعلم.

وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

17/ذو الحجة/1440هـ

18/08/2019م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق