طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

استغلال أرض مقبرة في توسيع مسجد

التصرف في الوقف بتغيير شرطه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4168)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

نحن أهالي وسكان (أهل التلالة) محلة أبي الأشهر، لدينا مسجدٌ عتيقٌ، مساحتُه صغيرةٌ، لا يتسعُ لأهلِ الحي، وتتسربُ من جدرانِه مياه الأمطار في الشتاء، وبجانبه مقبرةٌ قديمة بأرض وقف مهجورة منذ زمنٍ بعيد، علما بأن آخر قبر دفنَ فيها سنة 2002م، وهناك مقابر أخرى في الحي يتمّ الدفنُ فيها، ونرغبُ الآن في هدمِ المسجد العتيقِ وإعادة بنائه، فهل يجوز لنا ضمّ جزءٍ من المقبرة أو جميعها لأرضِ المسجد المزمع بناؤه؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه..

أما بعد:

فالأصل ألّا يتصرف في المقبرة بأيّ نوع من أنواع التصرف؛ لأن القبر حبسٌ على صاحبه مادام فيه، قال خليل: “وَالْقَبْرُ حُبُسٌ لاَ يُمْشَى عَلَيْهِ، وَلَا يُنْبَشُ مَا دَامَ بِهِ”[المختصر:52]، ولما يؤدّي إليه الحفر والبناء من إيذاء للأموات، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) [صحيح ابن حبان:3167]، وقال ابن الحاج: “فَكَانَ الْبُنيَانُ فِي الْقبُورِ سَبَبًا إِلَى خَرْقِ هَذَا الإجْمَاعِ، وَانْتِهَاكِ حُرمَةِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فِي حَفْر قُبورِهِمْ وَالْكَشْفِ عَنهُمْ… فَيَعْمَلُونَ فِي مَوَاضِعِهِمْ السَّرَابَاتِ الَّتِي لِلْمَرَاحِيضِ، فَتَعُمُّ الأَذِيَّةَ لِمَنْ نُقِلَ مِنْ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ”[المدخل:19/2].

لكن استثنى العلماءُ من حرمةِ التصرف في المقبرة ونبشِ القبور، ما إذا دعت المصلحة العامّة إلى ذلك، قال الخرشي: “وَبَقِيَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ مِنْ مَسَائِلِ جَوَازِ إخْرَاجِ الْمَيِّتِ مَا إذَا اقْتَضَتْ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ كَفِعْلِ مُعَاوِيَةَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ لَمَّا أَرَادَ إجْرَاءَ الْعَيْنِ بِجَانِبِ أُحُدٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ لَهُ قَتِيلٌ فَلْيَخْرُجْ إلَيْهِ وَلْيَنْبُشْهُ وَلْيُخْرِجْهُ وَلْيُحَوِّلْهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَأَتَيْنَاهُمْ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ رِطَابًا”[الخرشي: 2/145].

عليه؛ فإذا دعت الضّرورة إلى التصرّف في المقبرة المجاورة للمسجد، بأن كان مسجدًا جامعًا تقامُ فيه الجمعة، ولم يكن قربهُ مساجدُ يمكنُ حضور الجمعةِ فيها دون مشقّة؛ فيجوزُ لكم استغلال أرض هذه المقبرةِ في توسيع المسجدِ المذكور؛ لأنّ ما كان للهِ فلا بأسَ أن يستعان ببعضِه في بعضٍ، أمّا إن كان هناك في القرية عددٌ من المساجد المتقاربةِ، بحيث لا يشقّ على أهلها شهود الجمعة فيها؛ فلا يجوز تغيير المقبرِة ونبش القبورِ الموجودةِ بها، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

11// شعبان// 1441هـ

05// 04// 2020م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق