طلب فتوى
الطهارةالعباداتالفتاوى

ما حكم تغسيل الموتى المصابين بفيروسِ كورونا، إذا خشيَ بذلك انتشار العدوى؟

ترك تغسيل الميت خشية العدوى

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4169)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

ما حكم تغسيل الموتى المصابين بفيروسِ كورونا، إذا خشيَ بذلك انتشار العدوى؟

الجواب:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبهِ ومن والاه.

أما بعد:

فقد اختلفَ المالكيةُ في حكم تغسيل الميّت؛ هل هو فرضٌ على الكفاية أو سنّة مؤكدةٌ، قال الخرشي رحمه الله: “اخْتُلِفَ هَلْ غَسْلُ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ الْمُتَقَدِّمِ لَهُ اسْتِقْرَارُ حَيَاةٍ وَلَيْسَ بِشَهِيدٍ وَلَا فُقِدَ أَكْثَرُهُ وَاجِبُ كِفَايَةٍ، وَشَهَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ وَابْنُ فَرْحُونٍ، أَوْ سُنَّةٌ، وَشَهَرَهُ ابْنُ بَزِيزَةَ؟” [الخرشي:2/113].

والمعتمد عند المتأخرينَ أنه واجبٌ على الكفاية، قال ابن الحاجب رحمه الله: “وَغَسْلُ الْمَيِّتِ وَاجِبٌ عَلَى الأَصَحِّ” [جامع الأمهات:137].

فإذا قام بالميّت سببٌ يمنع من تغسيلهِ بالصورة المعهودة، بالدّلك مع صبّ الماء، اكتفي بصبّ الماء عليه دون دَلكٍ، فإن تعذّر ذلك انتُقل للتيمّم، فإن تعذّر التيمم -أيضًا- دُفنَ الميّت دون تغسيلٍ، ومن جملة هذه الأسباب التي ذكرها الفقهاء؛ أن يتضرّر جسدُ الميت بتقطعٍ ونحوه، أو خوف وقوع ضررٍ على المغسِّل، أو حدوثُ وباءٍ يكثر معه الموتَى ويشقّ غسلُهم، قال الخرشي رحمه الله: “يَعنِي أنَّ الْمَجْدُورَ وَالْمَحْصُوبَ وَالْمَجْرُوحَ وَذَا الْقُرُوحِ وَمَنْ تَهَشَّمَ تَحْتَ الْهَدَمِ وَشِبْهَهُمْ، إنْ أَمْكَنَ تَغْسِيلُهُمْ غُسِّلُوا، وَإِلَّا صُبَّ عَلَيْهِمْ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ دَلكٍ إنْ أَمْكَنَ، فَإِنْ زَادَ أَمْرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ خُشِيَ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ تَزَلُّعٌ أَوْ تَقَطُّعٌ يُمِّمُوا” [الخرشي:2/117 ].

وقال ابن حجر الهيتميّ رحمه الله: “(وَمَنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ) لِفَقْدِ مَاءٍ، أَوْ لِنَحْوِ حَرْقٍ أَوْ لَدْغٍ وَلَوْ غُسِّلَ تَهَرَّى، أَوْ خِيفَ عَلَى الْغَاسِلِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَفُّظُ (يُمِّمَ) وُجُوبًا كَالْحَيِّ” [تحفة المحتاج:3/184].

وفي شرح التلقين: “قال ابن حبيب رحمه الله: وَلَا بَأْسَ عِنْدَ الوَبَاءِ، وَمَا اشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ مِنْ غَسْلِ المَوْتَى لِكَثْرَتِهِمْ أَنْ يَجْتَزِؤُوا فِيهِمْ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِغَيْرِ وُضُوءٍ، وَيُصَبُّ المَاءُ عَلَيْهِ صَبًّا، وَلَوْ نَزَلَ الْأَمْرُ الفَظِيعُ الّذِي يَكْثُرُ فِيهِ المَوْتَى جِدًّا… فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقْبَرُوا بِغَيْرِ غَسْلٍ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُغَسِّلُهُمْ. قال المازري رحمه الله: وَهَذَا الَّذي قَالَهُ ابنُ حَبِيبٍ صَحِيحٌ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يُغَسّلُ؛ لِأَنَّ الوَاجِبَ المُتَّفَقَ عَلَيْهِ يَسْقُطُ بِالعَجْزِ عَنْهُ، فَكَيْفَ بِهَذَا المُخْتَلَفِ فِيهِ”[1/1119].

عليه؛ فينبغي الرجوعُ إلى أهلِ الخبرة والجهاتِ المختصّة، للتحقّق من وقوعِ الضرر على المغسِّل للموتى بوباء كورونا، مع التدرجِ عند وجودِ الضرر باتباع الخطوات الآتية؛ إذا أمكن تغسيلُ الميّت المصاب بمرض كورونا عن طريق اتخاذ الإجراءات الوقائيّة -كما يتعامل الأطباء مع المرضى الأحياء في المستشفيات- فلا يجوز العدول عن التغسيلِ إلى غيره، فإذا تعذّر غسله بمباشرة جسدهِ اكتفي بصبِّ الماء عليه، ولو بجعلِ مسافةٍ بينه وبين الميّت، تحفظُه من انتقال العدوَى، وإن تعذّر ذلك وأمكن التيمم بلا ضررٍ، بأن يكون بلبس القفازاتِ، فينتقلُ إليه، فإن تعذّر بشهادة أهل الاختصاصِ -أنّ العدوى تنتقل به- سقطَ التيمم أيضًا، ويبقى للميت بعد ذلك ما يجب له؛ من حقِّ تكفينه، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، وعلى الجهات المسؤولة أن تحذرَ مِن التساهلِ في إسقاطِ شيء مما سبقَ، دون تحقّق الضرورةِ الداعيةِ لذلك، وأن تعملَ على تدريبِ فريقٍ من المغسّلين، حتى يتمكنوا مِن التعامل مع مثل هذهِ الحالاتِ، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

12// شعبان// 1441هـ

06// 04// 2020م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق