طلب فتوى
العقيدةالفتاوى

حكم الاشتراك في دورات عن قانون الجذب والطاقة الروحية

ربط العبادات بالطاقة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4170)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

هناك مجموعة على إحدى مواقع التواصل الاجتماعي، أسستها مدرِّبة، تقول إنها مهتمة بعلومِ الوَعي، والبرمجة اللغوية العصبية، ومتحصلة على شهاداتٍ في هذا المجال، وتعطي فيها دورات مدفوعة عن قانون الجذب، ومن صورهِ: الجذبُ عن طريقِ التأمل والتخاطر في مكانٍ مظلم، مع إشعالِ شمعةٍ والاستماع للموسيقى، حيث يتم التركيز على الشيءِ المراد جذبه في الذهن، ويُبتدأ فيه بجذب ريشةٍ، ويُنتهى بجلبِ شخص للزواج مثلا، كما يتحدثون فيها عن مصطلحات مثل الإسقاطِ النجمي، وهو اتخاذ خطوات تمكنك مِن تركِ جسمكَ الحسي، والشعور بروحكَ تخرج منه للذهاب في رحلةٍ لأي مكانٍ تريده؛ كالنجوم والكواكب والعوالم المختلفة، عن طريقِ الخيالِ الذهني، وتتستر بستارٍ ديني، مثل نشر بعض المناشير التي تدعو للمحافظة على قراءة سورٍ من القرآن، وربط بعض العباداتِ – كالصلاة – بكلامهم عن حقول الطاقة، وهذه المجموعةُ خاصةٌ بالنساءِ، حيث يقتصر قبول طلبِ العضوية فيها عليهنّ، وقد انساقَ وراء دعواتهم أعدادٌ كبيرةٌ من النساء، ومما ساعدَ على ذلك ما يحدثُ لهنّ من استدراج، متمثل في وقوعِ بعض ما يريدون جذبه في جلساتِ الجذب، كمن أرادت جذبَ مال فجاءَها في اليوم التالي هديةً وهكذا، ويتذرعون بعدم تحريمِ الدينِ الإسلامي لمثل هذه الأمورِ، بحجة أنّها من العلم غير المحرم، فما الحكم الشرعي لما تدعو إليه مثل هذه المجموعات؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فهذه الفلسفات ترتكز على العقل الباطن، والتعظيمِ من شأن قوتهِ، لدرجة تمكنه من تحقيقِ الرغبات، فقانونُ الجذب عند أهله ينصّ على: “أنّ الشَّبِيهَ يَجْذِبُ إِلَيْهِ شَبِيهَهُ”، “وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَحْدُثُ فِي حَيَاتِكَ فَأَنتَ مَن قُمْتَ بِجَذْبِهِ إِلَى حَيَاتِكَ، وَقَد انجَذَبَ إِلَيْكَ عَن طَرِيقِ الصُّوَرِ التِي احْتَفَظْتَ بِهَا فِي عَقْلِك، أَيْ مَا تُفَكِّرُ فِيهِ، فَأَيًّا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي يَدُورُ بِعَقْلِكَ فَإِنَّكَ تَجْذِبُهُ إِلَيْكَ”، “فَأَنتَ أَقْوَى مِغْنَاطِيسٍ فِي اْلَكَوْنِ، فَبِدَاخِلِكَ قُوَّةٌ مِغْنَاطِيسِيَّةٌ أَشَدُّ بَأْسًا وَفَاعِلِيَّةً مِنْ أَيِّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْعَالَمِ، وَهَذِهِ الْقُوَّةُ الْمِغْنَاطِيسِيَّةُ الَّتِي لاَ يسْبرُ غَوْرهَا تَنبَعِثُ مِنْ أَفْكَارِكَ” [كتاب السر:ص12،7،4]، فهو يعمل وفقَ ثلاث خطوات، هي: اطلبْ، ثمّ آمنْ، ثم تلَقّ، والطلب والإيمان والتلقي كله موجه للكون، الذي يرتبط مغناطيسيًّا بما يستقرّ في ذهن الإنسانِ، وفي هذا محاذير شرعيةٌ، تتمثل في النقاط التالية:

  • قانون الجذب يتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر، فالله عز وجل كتبَ مقادير كل شيءٍ إلى يوم القيامة، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [الحديد:22]، ولا يقع شيء في الوجودِ إلّا بمشيئته، قال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) [القصص: 68].
  • وفيه إحياء لجملةٍ من العقائد الشرقيةِ الفاسدة، والفلسفات الوثنية، القائمة على وحدة الوجود والطاقة الكونية، التي حوّرتها الدراسات الغربية إلى علوم تدرّس.
  • وفيه دعوة للتعلق بالكونِ؛ رغبةً وسؤالًا وطلبًا، وترك الالتجاء إلى الله عز وجلّ.
  • وفيه دعوة إلى ترك العمل، والإعراضِ عن تحصيلِ الأسباب المشروعةِ، والاتكال على الأماني والأحلام، فكل ما تريده يمكنك أن تحققه بتركيزك وتفكيرك المجرد، وفق قانون الجذب.
  • وفيه دعوة إلى تقديس الإنسان لذاته، وأن يلهث خلفَ شهواتهِ وملذاته.
  • وفيه دعوةٌ للانخلاع من كلِّ الحقائقِ العلميةِ الثابتةِ بالتجربةِ، والتعلق بالخيالاتِ المتوهَّمة، وهذا تخرصٌ وتقوُّلٌ بلا برهانٍ، والله عزو جل يقول: (وَلَا تَقْفُ مَا  لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36].

وقد ألبسَ بعضُ المسلمينَ هذه الخرافاتِ لَبُوس الإسلامِ، وذلك بإجراء تعديلاتٍ شكليةٍ على هذه الأفكارِ المستوردة، ثم محاولة الاستدلال لها بأدلة من الكتاب والسنةِ، مجتزئةٍ من سياقها.

والتحذيرُ مِن دعوى هذا القانون؛ لأجلِ ما يرسخه في الأذهان مِن أن الواقعَ بالإنسان هو نتاج أفكاره، وحاصلٌ عن طريق الموجات الكهرومغناطيسية لعقله، وليس التحذير منه اعتراضًا على التفكير الإيجابي، والتفاؤلِ، وصدقِ الرغبةِ، وقوةِ العزيمة، ووضوحِ الهدفِ، فهي ضروريةٌ في السعيِ وراء المطلب، ودافع للنفسِ، تحركُّها نحو غايتها.

عليه؛ فما تقوم به مثل هذه المجموعاتُ يتعارضُ مع أحكام الشريعة الإسلامية، وينبني على معتقداتٍ فاسدةٍ، مستوردةٍ من دياناتٍ باطلةٍ، تمَّ تعديلها في المجتمعات الغربيةِ لتسوَّق في مجتمعاتنا المسلمة، وقد تم ترويجها بدعوى نشرِ الوعي، وإيجادِ الحلول لمشاكلِ النساء الاجتماعيةِ والنفسية، فلقيتْ قَبولا واسعًا؛ لحساسيةِ هذا الوسطِ، والمواضيعِ التي يزعم القائمون على هذه المجموعات علاجَها، وتحتوي هذه المجموعاتُ على جملة من الخرافات المؤثرةِ في عقيدةِ كل مَن يدخلها، فلا يجوز الاشتراك فيها، ويجب التحذير منها، وما يؤخذُ في نظير الاشتراك في هذه الدوراتِ محرمٌ؛ لأنه من أكل أموالِ الناس بالباطلِ، وليس في نظيرِ منفعةٍ حقيقيةٍ، وعلى الجهات المختصة أن تحرصَ على متابعةِ ما يجري في مواقعِ التواصلِ الاجتماعيّ من تضليلٍ وإفسادٍ للمعتقداتِ، وأن تقومَ بواجبها، وما أُنيط بها مِن حفظ المجتمعِ مِن تسربِ مثل هذه الأفكارِ الدخيلةِ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ) [البخاري: 853]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم سليم الشوماني

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

20// شعبان// 1441هـ.

14// 04// 2020م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق