طلب فتوى
البيعالتبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

التحبيس على النفس والتصرف في الحبس

مبادلة الوقف وبيعه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4607)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

(حضرت… ر. ق… وأشهدت على نفسها بأنها حبَّست -على مذهب أبي يوسف- … جميعَ كامل السانية-… سوى السبع نخلات…-على نفسها مدة حياتها ثم بعد موتها على زوجها سيدي ع … وعلى ابنتهما ح وعلى ل ابنة ابنتهما… الربع لسيدي ع، والربع لـ ل، والنصف لـ ح… ثم من مات منهم رجع نصيبه لأولاد ح … ذكورا وإناثا… ثم بعد موت جميع من مات منهم يرجع لأخوته ذكورا وإناثا ثم بعد موت جميعهم وانقراضهم يرجع على الطلبة المهاجرين لقراءة القرآن والعلم بزاوية… عبد السلام الأسمر… حبَّست المحبسة… حبسا مؤبدا لا يباع ولا يقسم ولا يناقل به وإن دثر ولا يتصرف فيه بشيء من التصرفات سوى الانتفاع بغلته مع بقاء الأصل على سبيله ولا يوهب ولا يورث…).

فما حكم هذا التحبيس؟ علما بأن ورثة حفصة الذكور والإناث هم: (ع ، س ، ش) وقد تم تقسيم كامل الحبس والتصرف فيه بالبيع والبناء من قبل والدي وأعمامي، بناء على قانون 1973، الذي نص ببطلان التحبيس على غير الخيرات.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالتحبيس على النفس باطلٌ عند جماهير أهل العلم؛ لأنه مما لا نفع فيه، ولا قربى ترتجى من ورائه، وليس فيه سوى التحجير على النفس، قال الخرشي  رحمه الله : “… الْحُبْسُ عَلَى النَّفْسِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ” [شرح الخرشي على المختصر:7/84]، ولكن لما نصَّ الواقف على تقليده لبعض المذاهب المعتبرة لم يصحَّ نقضُه، ويمضي على ما فيه، ويكون التحبيس صحيحًا نافذًا.

وأما بيع أرضِ الحبس والتصرف فيها بمبادلة أو غيرها فهو محرمٌ شرعًا؛ لأن في ذلك تبديلًا لغرضِ المحبِّس، قال الله ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:181]، وقال عمر رضي الله عنه -بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم له في صدقته: (إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا، وَتَصَدَّقْتَ بِهَا)- : “لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ” [النسائي: 6393]، فيحرمُ التعدي على شيءٍ من الحبس، ببيعٍ أو غيره، بل يجبُ استغلالُهُ في الغرضِ الذي حُبِّس عليه، قال سحنون رحمه الله: “بَقَاءُ أَحْبَاسِ السَّلَفِ خَرَابًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ” [شرح الخرشي:7/95]، فإنْ حصلَ بيعٌ لأرضِ الحبس فهو باطلٌ، يجبُ فسخهُ وردّه، ويرجع المشتري على البائع بالثمنِ إن وُجدَ عنده، فإنْ كان البائع مُعدمًا، أخذَ المشتري حقّه مِن غلةِ الوقفِ شيئًا فشيئًا، إلى أنْ يستكملَ جميعَ الثمن الذي دفعَهُ، قال ميارة رحمه الله:”… أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ، وَيُفْسَخُ مُطْلَقًا، عَلِمَ الْبَائِعُ بِكَوْنِهِ حَبْسًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ… إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَ، فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ كَانَ مُعْدَمًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ غَلَّةِ ذَلِكَ الْحُبْسِ فِي مُقَابَلَةِ مَا دَفَعَ مِنَ الثَّمَنِ” [الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام: 2/148].

وأما البناء في أرض الحبس فعلى حسب ما قرره الباني؛ هل يريده حبسًا أو ملكًا، هذا إن كان حيًّا، أما لو مات الباني ولم يذكر شيئًا من ذلك فهو وقف، قال الدردير رحمه الله:”(وَإِنْ بَنَى مُحَبَّسٌ عَلَيْهِ) بِنَاءً فِي الْوَقْفِ (أَوْ غَرَسَ) فِيهِ شَجَرًا (فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ) أَنَّهُ وَقْفٌ أَوْ مِلْكٌ (فَوَقْفٌ) وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِوَارِثِهِ، وَإِنْ بَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكٌ فَهُوَ لِوَارِثِهِ فَيُؤْمَرُ بِنَقْضِهِ أَوْ بِأَخْذِ قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا بَعْدَ إسْقَاطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَاِ… وَهَذَا إذَا كَانَ الْوَقْفُ لَا يَحْتَاجُ لِمَا بَنَاهُ، وَإِلَّا كَانَ وَقْفًا وَوُفِّيَ لَهُ مَا صَرَفَهُ مِنْ غَلَّتِهِ؛ كَالنَّاظِرِ إذَا بَنَى أَوْ أَصْلَحَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ”[الشرح الصغير:4/136-137]، والقانون الصادر بإلغاء الوقف غير الخيري على عمومه يعتد به في إبطال الوقف على الذكور دون الإناث لموافقته للأحكام الشرعية ولا يعتد به في إلغاء الوقف الذري مطلقا؛ لأن الشريعة أجازته فيما إذا كان على الذكور والإناث.

عليه؛ فيجب على مَن باع ردّ الحبس المباع من المشتري، ويجب على مَن بنى أنْ يبين لمَ بَنَى إنْ كان حيًّا، وإن كان ميتًا فيعدُّ حبسًا كالأصل، ويجب على المحبس عليهم إعادةُ قسمة الحبس قسمة اغتلالٍ على ورثة حفصة المذكورين ذكوراً وإناثاً، ثم العملُ بالوثيقة كما ذكر المحبِّس، بأيلولة الحبس إلى طلبة العلم، فيما إذا انقطعت ذريّة المحبس عليهم، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

16//محرم//1443هـ

24//08//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق