طلب فتوى
الصلاةالعباداتالفتاوىالمساجد

حجز الأماكن للصلاة في الصف الأول

حجز الأماكن للصلاة بالكراسي والسجادات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4345)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

يقوم بعض الناس بحجز مكان في الصفّ الأول في المسجد، ثم يغادرون هذا المكان، فمنهم مَن يُغادرُ المسجدَ وعند قربِ الإقامةِ يأتي لمكانهِ الذي حجزه، ومنهم من يُحجز له المكانُ وهو لا يزالُ في بيته، ومنهم يَحجز مكانه ثم يجلس في آخر المسجد لقراءة القرآن، أو للتحدثِ، أو لغرض الاستناد للحائط، فما حكم ما يقومون به؟ وهل يجوز للمصلي الذي يأتي ويجد الأماكن محجوزة أن يقوم بإزالة السجادة أو الكرسي الذي وُضع ليُحجز به المكان، خاصةً بعد تنبيه الحاجزين أكثر من مرة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن كان المصلي الحاجز مِن الحريصين على الصفّ الأول، ولم يطلْ حجزه لذلك المكان، كأن كان جالسًا في الصفِّ ثم حجز مكانه بكرسي أو سجادة وذهب ليتوضأَ، أو حصل له ظرفٌ طارئ، فلا بأس في الحجز، وهو أحقّ بمكانه إذا رجع إليه، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ عَادَ فَهْوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ) [الترمذي:2751]، فدل هذ الحديث بعمومه على أن المصلي الذي يقوم من مجلسه لحاجة يسيرة؛ كوضوء أو شرب، أو ما أشبه ذلك، ثم يرجع إليه؛ فإنه أحق بالمجلس من غيره، ولصاحب المكان أن يُقِيمَ مَن جلس بمكانه في هذه الحالة، بشرط أن لا يؤدِّي ذلك إلى فتنة ومنكرٍ أعظم، ويجب على مَن جلس في مكانٍ سبَقه إليه أحد، لكنه خرج لحاجة يسيرة ثم عاد، أن يقومَ؛ اتباعًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من مكارم الأخلاق، وفي شرح ابن بطال للبخاري: “رَوَى أَشْهَبُ، عَن مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الَّذِى يَقُومُ مِنَ الْمَجْلِسِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقُولُ: إِذَا رَجَعَ فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ. قَالَ: مَا سَمِعْتُ بِهِ، وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ إِذَا كَانَتْ أَوْبَتُهُ قَرِيبَةً، وَإِن بَعُدَ ذَلِكَ حَتَّى يَذْهَبَ فَيَتَغَدَّى وَنَحْوُ ذَلِكَ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ” [17/58].

أما أن يكون للمصلي مكان ثابت في المسجد، لا يصلي غيره فيه، ويأتي إلى المسجد متأخرًا، يتخطّى الناس ليجلس في المكان الذي حجزه على الدوام، فهذا من التحجير في المسجد الذي لا يجوز شرعًا، ويؤدي إلى محظورات؛ كتخطي رقاب الناس، وذلك بعد عودته من بيته أو من شغله وحاجته الطويلة، وفيه اغتصابٌ لمَكانٍ مَن سَبَقَ إليه فهو أولى به، ومخالفةٌ لما كان عليه السلف الصالح رضي الله عنهم، فإنهم لم يؤثر عنهم فعل ذلك، وفيه منعٌ للسابقين إلى المسجد أن يصلوا في المكان المحجوز، والمشروعُ في المسجد أنّ الناس يُتِمُّونَ الصف الأول، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا َتصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِندَ رَبِّهَا؟ قَالُوا: وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِندَ رَبِّهَا؟ قَالَ: يُتِمُّونَ الصَّفَّ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصُّفُوفِ)[مسلم: 430]، فإذا وَضع من هذا حاله كرسيا أو سجادةً، فلمَن سبقه إلى المسجد أن يرفعَ ذلك ويصلّي موضعه، ما لم تؤدِّ الإزالة لمنكر أعظم؛ لأن هذا السابق يستحقّ الصلاة في ذلك الصف المقدم، وهو مأمورٌ بذلك أيضًا، وهو لا يتمكن من فعل هذا المأمور واستيفاء هذا الحق إلا برفعِ ذلك المفروش، ووضعُهُ هناك بهذه الطريقة يُعدّ غصبًا، وذلك منكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنكُمْ مُنكَراً فَلْيُغَيِّرُه بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ) [مسلم: 49].

والجلوس في مؤخرة المسجد مع إمكان الجلوس في مقدَّمه منهي عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تَقَدَّمُوا فَأْتَمُّوا بي، ولْيَأْتَمَّ بكُمْ مَن بَعْدَكُمْ، لا يَزالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ. وفي رواية: رَأَى رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمًا في مُؤَخَّرِ المَسْجِدِ فَذَكَرَ مِثْلَهُ) [مسلم: 438]، وكونُهُ يفعل ذلك من أجل الاستناد إلى الحائط، أو للحديث مع الناس، فليس عذرا للتأخُّر، وعليه أن يجعل لنفسه شيئا يستند إليه مثل الكرسي ونحوه، في الصف المقدَّم؛ ليتحصل على فضل السبق للصف الأول، وأما التأخُّرُ من أجل الحديث فينبغي تركه؛ لأن المساجد لذكر الله وتلاوة القرآن، لا لأحاديث الناس، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

27//جمادى الأولى//1442هـ

11//01//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق