طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوى

حكم طلاق السكران

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5170)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

وقعت مشكلاتٌ بيني وبين زوجتي، فذهبتُ إليها في بيتِ أهلِها، وكنتُ في حالة سُكْر، ووقع جدالٌ بيننا، ولما رجعتُ إلى البيت، أخبرتْني أختي بعد اتصالها بزوجتي، أني طلقتها، ولم أعِ ذلكَ، ولا أذكر أنه صدرَ مني، فماذا يلزمُني؟ علما أني طلقتها قبلُ مرتين وأرجعتها بعدها.

الجواب:

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فطلاقُ السكران في حال غياب عقله، إنْ كان فيه نوعُ تمييز، وهو ما يسمى بالسكران المختلط؛ لازمٌ له، وأما إن كان السكران لا تمييزَ له، لا يدرك شيئًا، ولا يعرف السماء من الأرض، ويسمى بـالسكرانِ الطافح، فهذا كالمجنون، طلاقُه غير واقع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) [أبوداود: 4405]، وهو قول عثمان بن عفان وابن عباس رضي الله عنهم، ورواية محمد بن عبد الحكم في المذهب، واختيار ابن رشد والباجي رحمهم الله، قال ابن رشد رحمه الله: “السَّكْرَانُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَسَكْرَانُ مُخْتَلِطٌ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاخْتِلَاطَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُخْطِئُ، وَيُصِيبُ، فَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنَ الْمَرْأَةِ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ… وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ، وَالْعِتْقُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْحُدُودُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ، وَالْعُقُودُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ” [البيان والتحصيل: 258/4].

عليه؛ فإن كان الحالُ ما ذكر، وكان السائلُ حين وقوع الطلاقِ لا يعي شيئًا، ولم يعرفْ أنه قد صدرَ منه طلاق؛ فلا يلزمُه الطلاق، ولكنه آثمٌ مستوجبٌ لغضب الله، بارتكابه كبيرةً من كبائر الذنوب، وهي إدخال السُّكْرِ على نفسه، الذي بسببه أوقع الطلاقَ على زوجته، فعليهِ أن يتوبَ مِن هذه الكبيرة، ولزمه بإقرارهِ بشربِ الخمر إقامة الحدِّ عليهِ، بالجلدِ ثمانين جلدة بالسوط، ولا يجعلُ عدم وقوع الطلاق عليه تسهيلًا له، بأن يعودَ إلى السكر مرةً أخرى، حيث لم يقع طلاقُه هذه المرة، والله أعلم.

وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

12//رمضان//1444هـ

03//04//2023م         

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق