طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوى

حكم طلاق السكران والطلاق الواقع في الحيض

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2172)

 

الإخوة: محكمة باب بن غشير الجزئية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحية طيبة، وبعد:

فبالإشارة إلى مراسلتكم المتضمنة السؤال التالي: “صدر قرار عن المحكمة في الدعوى المقامة من (ع)، ضد (ز)، بشأن الرأي الشرعي في طلاقه على زوجته المدعى عليها، وباعتباره الطلاق الثالث الذي يقع منه عليها، والمحكمة قد أثبتت وقوع هذا الطلاق الواقع حسب إقراره.

إلا أن المدعي رجع على نفسه، وأقام هذه الدعوى، وطلب تعديل وصف طلاقه المشار إليه، باعتباره طلاقا رجعيا، بحجة أن طلاقه الأول وقع في حالة سكر، وأن طلاقه الثاني وقع وزوجته حائض، وأن هناك من أفتاه بعدم وقوع الطلاقين؛ فما هو حكم الطلاق في حال السكر، وفي حال إيقاعه على الزوجة وهي حائض”؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فطلاق السكران على قسمين:

الأول: من له نوع تمييز، بحيث يدري ما يصدر عنه من تصرفات؛ قولية أوفعلية، وهو ما يسمى بـ(السكران المختلط)، فهذا طلاقه واقع؛ لمعصيته، ولإدراكه ما وقع منه.

الثاني: من لا تمييز عنده على الإطلاق، بحيث لا يميز الأرض من السماء، ولا الرجل من المرأة، ولا يدري ما يقول، ويسمى بـ(السكران الطافح)، فهذا كالمجنون، لا يلزمه الطلاق، وطلاقه غير واقع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ) [أبوداود:4405]، قال الدردير رحمه الله: “إلا أن لا يميز، فلا طلاق عليه؛ لأنه صار كالمجنون” [حاشيةالدسوقي: 365/2]، وهو قول عثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، ورواية محمد بن عبدالحكم في المذهب، واختيار ابن رشد والباجي، قال ابن رشد رحمه الله: “السَّكْرَانُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَسَكْرَانُ مُخْتَلِطٌ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاخْتِلَاطَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُخْطِئُ، وَيُصِيبُ، فَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ ….، وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ، وَالْعِتْقُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْحُدُودُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ، وَالْعُقُودُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ” [البيان والتحصيل:258/4].

والطلاق في زمن الحيض واقع على مذهب جماهير العلماء، من الأئمة الأربعة، وغيرهم؛ لحديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنه طلق زوجته وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ليرجعها)، قلت: تحتسب؟ قال: فمه؟ [البخاري:4954،مسلم:1471]، قال الإمام النووي رحمه الله: “أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل، فلو طلقها أثم ووقع طلاقه، ويؤمر بالرجعة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور في الباب” [شرح النووي على مسلم:60/10].

وعليه؛ فتحسب على المذكور طلقته التي وقعت منه في حالة السكر إن كان من النوع الأول، ولاتحسب إن كان من النوع الثاني، وتحسب طلقته التي وقعت منه في زمن الحيض، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

أحمد محمد الكوحة

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

30/ربيع الأول/1436هـ

2015/01/21م

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق