طلب فتوى
الشركةالفتاوىالمعاملات

فض خسارة شركة فاسدة في التجارة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5166)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

دخلت في تجارة مع شخصٍ في الولايات المتحدة، يشتري هو سيارات مستعملة بالدولار، ويرسلها إلى ليبيا، ويتكفل بمصاريف الشحن، وأنا أستلم السيارة، وأدفع قيمة الجمرك، وأتكفل بمصاريف الصيانة، وأتعاب التسويق والبيع، واتفقنا على أن يكون لي من الربح 60% وللأمريكي 40%، وكان ذلك حين كان سعر الدولار 1.75 دينار، وأثناء هذه السنوات دفع الأمريكي ما قيمته 144582 دولار، متمثلة في سعر السيارات ومصاريف شحنها، ودفعتُ ما قيمته 109650 دينار، متمثلة في مصاريف الجمرك والتصليح، بالإضافة إلى جهدي في القيام على التسويق والبيع، وبقيتُ مدةً أبيع السيارات، وأحتفظ بثمنها الذي بلغ 500 ألف دينار ، وقد طلب مني في أوقات مختلفة أن أحول له قِيَمًا بالدولار، فحولت له على فترات مختلفة 102 ألف دولار، بما قيمته 357 ألف دينار، وبقي يطالبني بـباقي رأس ماله، وبيدنا الآن 145 ألف دينار تقريبا، وهي لا تغطي الدولارات الباقية، فكيف يتم اقتسام هذا العجز بين الطرفين؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن هذه المعاملة بين الطرفين هي مِن قَبيل الشركة، حيث يدفعُ أحدُ الشريكين قيمة السيارة والشحن بالدولار، ويدفع الآخر قيمة الجمرك والتصليح بالدينار الليبي، ثم يكون الربح بينهما بالنِّسَبِ المذكورة في السؤال، دون الالتفات إلى رأس مالِ كلٍّ منهما، وهذه الشركة فاسدة على مذهب مالك؛ لأمرين، الأول: اختلافُ جنسِ رأس مال الشريكين، جاء في المدونة: “قُلْتُ: وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ – فِي قَوْلِ مَالِكٍ – بِالدَّرَاهِمِ مِنْ عِنْدِ هَذَا وَالدَّنَانِيرِ مِنْ عِنْدِ هَذَا؟ قَالَ: لَا تَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ. قُلْتُ: وَأَصْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الشَّرِكَةِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِهِمَا نَوْعًا وَاحِدًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ؟ قال: نعم”[612/3]، الأمر الثاني: اشتراطُ كون الربح 60% لأحدهما، وللآخر 40%، دون مراعاة ما يمثله رأسُ مال كلٍّ من الشريكينِ، بالنسبةِ لمجموع رأس مال الشركة؛ جاء في المدونة: “قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَرَجْتُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَخْرَجَ رَجُلٌ آخَرُ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، فَاشْتَرَكْنَا، عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَنَا وَالْوَضِيعَةَ بَيْنَنَا نِصْفَيْنِ؟ قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهَا فَاسِدَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ” [608/3]، فإذا وقع الأمر كذلك، وكانت الشركة فاسدة؛ فالواجب أن تفسخ، ويقسم الربح إن وجدَ على رأس المال، وتُفَضَّ الخسارة على رأس المال، ففي المدونة: “قُلْتُ: فَإِنْ عَمِلَا فَوَضَعَا [أي: خَسِرَا] نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي فِي أَيْدِيهِمَا؟ قَالَ: الْوَضِيعَةُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَيْهِمَا، عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا” [609/3].

وحتى على مذهبِ الحنفية والحنابلة، في صحةِ الشركة مع اختلافِ الجنسين، والتفاوتِ بين رأسِ المال والربحِ المشترَط، فإنّ الخسارة تفضُّ على رؤوس الأموال، لا على ما اتفقا عليه من التفاوت، قال ابن نجيم من الحنفية: “وَالوَضِيعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا أَبَداً” [النهر الفائق: 301/3]، وقال البهوتي من الحنابلة: “(وَالْوَضِيعَةُ) أَيْ: الْخُسْرَانُ بِتَلَفٍ، أَوْ بَيْعٍ يَنْقُصَانِ عَمَّا اشْتَرَى بِهِ (عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ) فَمَنْ لَهُ فِيهِ ثُلُثَانِ فَعَلَيْهِ ثُلُثا الْوَضِيعَةِ وَمَنْ لَهُ الثُّلُثُ فَعَلَيْهِ ثُلُثُهَا سَوَاءٌ كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا كَذَلِكَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْوَضِيعَةَ نَقْصُ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِمُلَّاكِهِ، فَيُوَزَّعُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ”[شرح المنتهى: 229/2].

وما دامَ البيع يتم بالدينار الليبي، وقيمة الدينار قد انخفضتِ انخفاضًا حادًّا، فهذا يعني وقوعَ الخسارة على الطرفينِ لا محالة، لأن ثمنَ السيارات كلها (أي: الـ 500 ألف د.ل) لو نظرنا إلى قيمته الآن؛ لوجدناها – من حيثُ القيمةُ الشرائية – أقلَّ من رأس المال وقتَ الشروع في الشركة؛ ولذلك ينبغي أن تفضَّ الخسارة على قدرِ الأسهم، ولمعرفة الأسهم ينظر كم كان سعر الدولار في المدة التي استمرت فيها الشركة، ليعلم رأس مال الأمريكي بالدينار، ثم يُجمع إلى رأس مال الليبي، ويعرف بذلك نسبة رأس مالِ كلٍّ منهما لمجموع رأس مال الشركة.

وما دام سعر الدولار حينها بـ 1.75، فإن رأس مال الأمريكي بالدينار هو 253020 دينار، ورأس مال الليبي 109650 دينار، وعلى ذلك فمجموع رأس مال الشركة هو 362,668 ألف دينار، نسبة رأس مال الليبي منه 30.3%، ونسبة رأس مال الأمريكي 69.7%، ويتحمل كل منهما الخسارة بقدرها.

وعليه؛ فالواجب الآن هو أن يُقسَم ثمن بيع السيارات (500 ألف دينار) بين الشريكين بنسبة الحصص، فيستحق الليبي منها 151,500 دينار، ويستحق الأمريكي 348,500، وما دام الأمريكي قد أخذ 357 ألفا فمن حق الليبي أن يطالبه بما أخذه زيادةً على نصيبه، فيرجع عليه بـ 8,590 دينار، أو يتنازل عنها إنْ شاء، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

عبد الرحمن بن حسين قدوع

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

05//رمضان//1444هـ

27//03//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق