طلب فتوى
2022بيانات مجلس البحوث الشرعيةصادر الدار

 قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية  التابع لدارالإفتاء رقم ( (01 لسنة 1443 هـ 2022 م بأحكام  المصالحة الوطنية مع من ارتكبوا جرائم في حق الأمة الليبية

 

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإنّ للصلحِ في الشريعة الإسلامية مكانًا عاليًا؛ لِمَا فيه مِن وَأْدِ الفِتن، وحفظِ السّلم، وجمعِ الكلمة.

ومجلسُ البحوثِ بدار الإفتاءِ، ما فَتِئ يحضُّ على صلحٍ محققٍ للعدلِ، منضبطٍ بأحكامِ الشرع، نابعٍ عن رضًا واختيارٍ، واقتناعٍ صادقٍ به مِن كلّ الأطرافِ، وكلُّ صلحٍ لم يُراعَ فيه ما سبقَ، فهوَ إلى الظلمِ أقْرَب.

ولتحقيقِ ذلكَ، قررَ المجلسُ بعد المدارسةِ الموسعةِ والمشاورةِ المطولةِ ما يلي :

1- مع قيامِ المظالمِ لا يكونُ الصلحُ إلّا بعدَ بيانِ الحقوقِ لأصحابها، وإقامةِ العدالةِ،

وبعدَ بيانِ الحقوقِ يكونُ التنازلُ عنها عن طِيبِ نفسٍ لمنْ أرَادَ؛ لقول اللهِ تعالَى، بعدَ الأمرِ  بالقَصاص: (فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهوَ كَفَّارَةٌ لَهُ)[المائدة:43]، وقوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُۥ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَٰنٍ)[البقرة:178].

2- شرطُ الصلحِ ألَّا يحَّل حرامًا، ولا يحرمَ حلالًا؛ كما ثبتَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: (الصّلحُ جائزٌ بين المسلمينَ، إلَّا صلحًا حرمَ حلالًا، أو أحلَّ حرامًا)[الترمذي:1403، وأبوداود:3594].

قال ابن بطال: “وأجمعَ العلماءُ أنهُ لا يجوز الصلحُ المنعقدُ على غيرِ السنةِ، وأنهُ منتقضٌ)[شرح صحيح البخاري لابن بطال:8/86].

3- الصلحُ عن الحقوقِ لا يكونُ إلَّا ممَّنْ يملكُهُ، فردًا، أو دولةً؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا)[الإسراء:33].

فلا يجوزُ لدولةٍ ولا هيئةٍ اجتماعيةٍ ولا أفرادٍ، بطريقٍ مباشرٍ أو غيرِ مباشرٍ، أنْ يعفُوا أو يتحاورُوا أو يتصالحُوا مع مَن أجرمَ في حقِّ الوطنِ بالتهجيرِ، أو القتلِ، أو الحروبِ، أو الاستيلاءِ على الأموالِ الخاصةِ والعامةِ، قبل القصاص وإقامةِ العدلِ؛ لتقرّرِ الحقِّ في ذلك لأصحابهِ المتضرِّرينَ، أو خزينةِ الدولةِ.

4- هذا الحكمُ السابقُ، يتعدَّى إلى الدولِ التي تحالفتْ مع البغاةِ، وشاركتْ في الحروبِ معهمْ، وأجرمتْ في حقّ اللّيبيين بالقتلِ، أو التدميرِ لممتلكاتهمْ، فلا صلحَ معها إلَّا بعد إلزامِها بجبرِ الضررِ، ودفعِ التعويضِ عن الدماءِ والممتلكاتِ.

5- الصلحُ المرغبُ فيه في القرآنِ والسنةِ، يكونُ مع مَن لم يوغِلْ في الظلمِ والفسادِ، أمَّا مَن كاَن كذلكَ، فالتصالحُ معه ركونٌ إليهِ، يحملُهُ على التمادِي في ظلمِهِ، والركونُ إليهِ محرّمٌ، متوعَّدٌ عليه بالنَّارِ في قوله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)[هود:113]، والواجبُ هو القصاصُ منهُ لردعِهِ وكَفِّهِ، قال تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ)[الشورى:39]، قال الحافظ ابن حجر نقلًا عن الإمامِ الطبريّ: “لو كان الواجبُ في كلّ اختلافٍ الهربُ منه، بلزوم المنازلِ وكسرِ السيوف، لَمَا أقيمَ حقٌّ ولا أُبطلَ باطلٌ، ولوجَدَ أهلُ الفسوقِ سبيلًا إلى أخذ الأموالِ وسفكِ ال

دماءِ، ويكفُّ المسلمونَ أيديهم عنهمْ بأنْ يقولُوا: (هذه فتنة)، وهذا مخالفٌ للأمر بالأخذِ على أيدِي السفهاء”.]فتح الباري:13/ [37

6- المهجَّرونَ مِن ديارهمْ، إنْ لم يأمَنُوا على أنفسِهِم إذا عادُوا إليها، فإنَّ واجبَ الدولةِ أن تهيِّئَ لهم أماكنَ تليقُ بهم، وتحفظُ كرامتَهم، حتّى تفصلَ العدالةُ الانتقاليةُ بشأنِهم، باستيفاءِ الحقوقِ لهم أو منهمْ.

7- واجبُ الدولةِ التعجيلُ بإقامةِ العدالةِ الانتقاليةِ؛ لأنّ المصالحةَ الحقيقيةَ متوقفةٌ عليهَا.

8- الكتائبُ المسلّحةُ المقاتلةُ مع المنقلبينَ على الشرعيةِ، منذ عامِ 2014م، يعدُّونَ جميعًا فئةً باغيةً، غيرَ متأوّلةٍ، يؤاخَذونَ بجرائرِ أعمالهمْ، في الدماءِ والأموالِ التي نهبُوها وأفسدُوها، وكذلكَ مَن أعانَهم؛ لأنّ بغيَهم وقتالَهم ليس لهم فيهِ تأويلٌ شرعيٌّ.

9- مناصبُ الدولةِ القياديةُ في ظلِّ المصالحةِ الوطنيةِ، لا يجوزُ أن تُسندَ إلى مَن تلطختْ أيدِيهم بالدماءِ ونهبِ الأموالِ، في العَهْدَينِ، قبلَ الثورةِ وبعدَهَا؛ لأنّ ما قامُوا به موجبٌ للطعنِ في نزاهتِهِم، وسلبِ عدالَتِهم.

ونسألُ اللهَ تعالَى أنْ يهديَنَا سواءَ السبيلِ، وأنْ يهيئَ لنَا مِن أمرِنا رَشَدًا.

وآخرُ دعوانَا أنِ الحمدُ لله

ربّ العالمين، وصلى الله وسلمَ على محمد وآله وصحبهِ أجمعينَ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق