طلب فتوى
الغصب والتعديالفتاوىالمعاملاتقضايا معاصرة

ما هو الحكم الشرعي في عمل لجنة مصلحة أملاك الدولة؟

ما حكم استثمار الأملاك المغصوبة من قبل الدولة؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4924)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

أنا أحد المواطنين الذين استولت الدولة على عقاراتهم، بموجب قانون رقم (4) وقانون رقم (88)، وقد صدر عن مجلس الوزراء في عام 2013م قرار رقم (720) بتنظيم لجنة مصلحة أملاك الدولة، وجعل من اختصاصها إدارةَ وحمايةَ العقارات المملوكة للدولة، واستثمارَ عوائدها، وتحصيلَ إيراداتها، فما هو الحكم الشرعي في عمل هذه اللجنة؟ وهل يلحق الإثم العاملين بها؟ كونهم مكلفين بأخذ عوائد الإيجار لهذه الأملاك المغصوبة، وتحويلها إلى خزينة الدولة، علما أن هذه الأملاك مميزة لديهم عن غيرها، وقد تواصلتُ مع عدد من الموظفين، فتعذروا بأنهم يعملون بموجب القانون، ولا يسعهم مخالفته.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإنّ القانونَيْنِ المذكورَين رقم (4) ورقم (88)؛ من القوانين الجائرة التي أباحت ممتلكات الناس ظلما وعدوانًا، ومن أسباب الفساد التي جَرَّأَت الناس على الحرام، وسلطتْ بعضهم على بعض؛ لأن الاستيلاء على العقارات المملوكة للغير دونَ وجهِ حقٍّ محرمٌ شرعًا، سواء كانت الأملاك عامة أو خاصة، قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا ‌أَمْوَالَكُم ‌بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾  [النساء: 29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنِ ‌اقْتَطَعَ ‌شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) [مسلم: 1610].

وبعد مراسلة المصلحة المذكورة، للتثبت من الاختصاصات المناطة بها؛ أجاب رئيس مجلس إدارتها بسرد القوانين والقرارات التي يستندون إليها في عملهم، وهي تدل على صحة التفاصيل الواردة في السؤال، فكان مما أجاب به قولُهُ: “دور مصلحة أملاك الدولة هو دور تنفيذ اختصاصات أناطها بها المشرع”، وذكر من القرارات التي تبين هذه الاختصاصات، قرارَ اللجنة الشعبية العامة رقم (108) لسنة 2006م، الذي جاء فيه: “على مصلحة أملاك الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة لمتابعة سداد قيمة العقارات الخاضعة لأحكام القانون (4/78)”، وقرار رقم (720) الصادر عن مجلس الوزراء عام 2013م، وقد جاء في المادة (4) منه: “تتولى مصلحة أملاك الدولة إعداد الخطط والبرامج اللازمة لكيفية التصرف والإدارة والحماية للعقارات المملوكة للدولة، والإشراف على بناء وشراء والانتفاع واستثمار عوائد أملاك الدولة سواء بالداخل أو بالخارج… ولها على وجه الخصوص:… استثمار عوائد الانتفاع بالعقارات التي تتولى إدارتها… وتحصيل الإيرادات المترتبة على إدارة واستثمار العقارات المملوكة للدولة”، ويدخل في جملة هذه العقارات ما غصبته الدولة من الأملاك في العهد السابق.

وعليه؛ فإنَّ استثمارَ الأملاك المغصوبة بموجِبِ هَذَيْنِ القانونَيْنِ، وتحصيلَ إيراداتها، والتصرفَ فيها بأيِّ وجهٍ كان دونَ إذنِ أصحابها؛ محرمٌ شرعًا، لأنه من التعاون على التعدي على أموال الناس، والله عز وجل يقول: ﴿‌وَلَا ‌تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾  [المائدة: 2]، فلا يجوز للعاملين بالمصلحة ولا لغيرهم القيام بذلك، والواجبُ على الجهات ذات الاختصاص أن تعملَ على استرداد الحقوق لأصحابها وفضِّ المنازعات، وتقترحَ على الدولة رَصْدَ ميزانيةٍ يتم من خلالها دفعُ التعويضات المناسبة لمن غُصبت أملاكهم في وقت من الأوقات، وذلك باقتراح آلية تخفف من الأضرار، حيث إنَّ هذه الأملاك؛ بعضُها تداولتْهُ الأيدي مرارا وتكرارا، وترتبتْ على ذلك تبعاتٌ كثيرة ومعقدة، والمطلوبُ أن تُحقق الآليةُ المقترحةُ التراضيَ بين المتنازعين قدر الإمكان، فإنه لا يَحِلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا عن طيبِ نَفْسٍ منه، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم [أحمد: 20695]، ولا عبرةَ بما صدر من قوانينَ وقراراتٍ مخالفةٍ للشريعة، تُبيح أملاك الناس بغير وجه حق، فإنَّ حكمَ الحاكمِ بما يخالف الشريعة يُنقضُ، ولا يُعمل به، ولا يُحِلُّ الحرام، قال القرافي رحمه الله: “‌وَقَدْ ‌نَصَّ ‌الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَسْتَقِرُّ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ، وَيُنقَضُ إِذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ، أَو الْقَوَاعِدِ، أَو النَّصِّ، أَو الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ” [الإحكام: 88]، ويجب على من امتلك عقارًا بموجب هذا القانون أن يردَّه لأصحابه، ويتحلل منهم، ويتوب إلى الله عز وجل، من قبل أن يأتي يوم لا بيعٌ فيه ولا خلال، وعلى صاحب الحق أن يرجع إلى الطرق المعتادة في استردادِ الحقوق، وذلك بالترافع إلى القضاء، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

10//محرم//1444هـ

08//08//2022م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق