طلب فتوى
الأسرةالصلاةالعباداتالفتاوىالنكاح

هل تشرع الاستخارة في الواجبات والمحرمات؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5145)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

امرأة سافرتْ مع زوجها إلى بلاد الغرب، ثم لما أراد زوجها الرجوع إلى موطنه؛ امتنعت الزوجة عن العودة معه، رغم أمره لها بذلك، وأمر والديها أيضًا، معتذرة لهم بأنها قد استخارتْ، وانشرحَ صدرها إلى أنَّ البقاء في تلك البلاد خيرٌ لها.

فما حكم الاستخارة في مثل هذا الحالِ، مع أن زوجها ووالديها غير راضِينَ باختيارها؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنّ الاستخارةَ مرغّبٌ فيها شرعًا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثُّ أصحابه عليها، فعن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: (كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ…) [البخاري: 1109].

غير أن قوله تعالى: (فِي الأُمورِ كُلِّهَا) ليس على ظاهره من العموم، بل هو مخصوصٌ بغير الأمرِ الواجبِ فعلُه أو تركُه، وبغير المرغّبِ في فعله أو تركهِ شرعًا؛ إذ لا يقولُ أحد بالاستخارة في هذه الأمور؛ لأن الاستخارة تكون فيما يترددُ المرء في خيريّته، ولا يحصل لمسلم عاقل ترددٌ في خيريةِ فعل المستحبِّ، فضلًا عن فعل الواجبِ وتركِ المحرّم، اللَّهم إلَّا أنْ يتعارضَ عنده مَندوبانِ.

قال الإمام ابن أبي جمرة رحمه الله: “… الأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ وَالمُرادُ بِهِ الخُصوصُ بِدَلِيلِ أَنَّ الوَاجِبَاتِ مَطْلُوبَةٌ، فَإِنْ أَتَى بِهَا وَإِلَّا عُوقِبَ تَارِكُهَا، فَلَا يُسْتَخَارُ فِيمَا هُوَ العَذَابُ عَلَى تَرْكِهَ، وَالمُحرَّماتُ أَيْضًا مَمْنوعٌ فِعْلُهَا وَالعَذَابُ مُعَلَّقٌ عَلَى فِعْلِهَا، وَمَا العَذَابُ مُعَلّقٌ عَلَى فِعْلِهِ فَلَا اسْتِخَارَةَ فِيهِ، فَالذِي تَكُونُ فِيهِ الاسْتِخَارَةُ أَمْرَانِ:

إِمَّا نَوْعُ المباحَاتِ، وَهوَ مَا إِذَا أَرَادَ الشَّخْصُ أَنْ يَعْمَلَ أَحدَ مُبَاحَيْنِ، وَلَا يَعْرِفَ أَيَّهُمَا خَيْرٌ لَهُ جَازَتْ لَهُ الاسْتِخَارَةُ؛ لِيُرْشِدَهُ مَنْ يَعْلَمُ الأُمورَ وَعَوَاقِبَهَا عَلَى مَا هُوَ الأَصْلَحُ فِي حَقّهِ، وَإِمّا نَوْعُ المَنْدوبَاتِ، وَهْوَ أَنْ يَخطُرَ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ أَحدَ المنْدوبَاتِ، وَلَا يَعْرِفَ أَيَّهُمَا خَيرٌ لَهُ فَيَسْتَخِيرُ” [بهجة النفوس: 87/2].

عليه؛ فيجبُ على الزوجة المذكورة أن ترجعَ مع زوجها؛ طاعةً له ولوالديها، ولتعلمْ أنّ بقاءها في بلاد الكفرِ وامتناعَها من الرّجوع مع زوجها مِن أعظمِ المحرّمات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) [البخاري:369/1]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أَنا بَريءٌ مِنْ كلِّ مُسْلِمٍ يُقيمُ بَينَ ظَهرَانَي المُشرِكِينَ) [الترمذي: 1604]، والمرأة إذا سافرتْ بدون إذنِ زوجها تعدّ ناشزًا، عاصيةً، في غضبِ اللهِ حتى ترجع، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (إِذَا باتَتِ المرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتهَا المَلائِكَةُ حَتى تُصْبِحَ) [البخاري: 3528، مسلم: 1436]، هذا وهي معه في بيته، فكيف إن هجرتهُ وبقيتْ خارجَ البلاد بغير إذنه؟! وكيف إذا انضم إلى ذلك بقاؤها في بلد الكفر، وانضم إليه عقوقُ الوالدين، الذي عُـجّلتْ عقوبته في الدنيا قبل الآخرة، فهي ظلمات بعضها فوق بعضها، فعليها أن تخرج من هذه الظلمات وتُعجِّل بالتوبة إلى اللهِ وطاعةِ زوجها ووالديها، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

20//شعبان//1444هـ

12//03//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق