طلب فتوى
الأسرةالأيمان والنذورالطلاقالفتاوى

هل تفيد المحاشاة في يمين الطلاق؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5091)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

طلبت مني زوجتي أن أحلفَ على شيءٍ معينٍ، أنه ليس ملكًا لي، فقلت: (عليَّ اليمين والطلاق أنه ليس ملكا لي، وإن كان لي فأنت مطلقة)، وقصدت غير ما حلفتني عليه، وكانت تلك الحاجة التي حلّفتنِي عليها لي، فاعتقدت أني على برٍّ نظرًا لما قصدتُه، واسترسلتُ معها دونَ إرجاع، وبعدها بسنين وعقبَ مشكلةٍ بيننا، اتصلتُ بوالدها، وأخبرتُه أن ابنته طالقٌ، وبعد ذلك ذهبنا إلى شيخٍ وأرجعتُها، وبعدها وبسبب سوء تفاهم في الهاتف بيننا، قلتُ في نفسي سرًّا: (خلاص هي طالق) وحركت شفتيَّ بها، وعندما رجعت إلى البيت أخبرتها بذلكَ، بقولي: (قد طلقتك)، فما الحكم؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإن كان الحال كما ذكر، فاليمين التي استُحلِفْتَ عليها بالطلاق واقعة؛ لأن المحلوف عليه الذي نوى الزوج محاشاته هو معين بين أيديهم مشار إليه، والإشارة تعين المقصود، ولا يجوز نية غيرها، فالمحاشاة فيها لا تفيد؛ لأن قصد الحالف غير الشيء المستحلَفِ عليه، إذا لم تكن اليمين لإثبات حقٍّ أو توثقًا بحقٍّ فالعبرة فيها بنيةِ الحالف، إن لم تكن بعيدةً عن ظاهر اللفظ، فإن كانت بعيدةً كما هو الحال في السؤال؛ لأنَّ قول الزوج: (عليَّ اليمين والطلاق هذا الشيء (وسماه) ليس لي)، لا يقبل منه أنه قصد غير ذلك الشيء؛ لأن تسميته تعيين يبعد معه إرادة غير المسمى، قال الشيخ ميّارة رحمه الله: “وَإِن كَانَتِ الْيَمِينُ عَلَى غَيْرِ وَثِيقَةِ حَقٍّ بِغَيْرِ اللهِ، مِن طَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ، فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِبِ فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا عَلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ. قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهْوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ” [الروض المبهج: 131]، وقال أيضًا: “أَمّا النِّيَّةُ الَّتِي لاَ قَرِينَةَ مَعَهَا، وَهْيَ الْمُخَالِفَةُ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَتَنقَسِمُ قِسْمَينِ: … الثَّانِي: الْمُخَالَفَةُ فِيهِ بَعِيدَةٌ فَلَا تُقْبَلُ نِيَّتُهُ لاَ فِي الْقَضَاءِ وَلاَ فِي الْفُتْيَا” [الروض المبهج: 144].

وتحتسب عليه طلقتان؛ لعطفه الطلاق على اليمين بالواو التي تفيد المغايرة، قال خليل رحمه الله: “وَإِن ‌كَرَّرَ الطَّلَاقَ [ثَلَاثاً] بِعَطْفٍ بِوَاوٍ أَوْ فَاءٍ أَوْ ثُمَّ فَثَلَاثٌ إِن دَخَلَ”، قال الحطاب رحمه الله: “أَيْ وَلاَ يُنَوَّى” [مواهب الجليل: 58/4].

وقول الزوج لوالد الزوجة هي طالق يعدُّ طلقةً ثالثة، وقعتْ على المرأة وهي في عصمته، بناء على أن الرجعة تحصل بالمعاشرة، على قول ابن وهب رحمه الله، قال بهرام رحمه الله: “(وَلَا ‌بِفِعْلٍ ‌دُونَهَا كَوَطْءٍ) أي: دُونَ النِّيَّةِ، وهو مَذْهَبُ المُدَوَّنَةِ … وقال ابنُ وهبٍ: الوطءُ رَجْعةٌ” [تحبير المختصر: 226/3].

عليه؛ فإن كان الواقع ما ذكر في السؤال، فإنّ الزوجة قد بانت من زوجها بينونة كبرى، فلا تحلّ له حتى تنكح زوجًا غيره نكاح رغبة ويدخل بها؛ لقول الله جل جلاله: (فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ ‌حَتَّىٰ ‌تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُۥۗ) [البقرة: 230]، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد الدائم بن سليم الشوماني

عبد الرحمن بن حسين قدوع

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

03//رجب//1444هـ

25//01//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق