طلب فتوى
الحدود و الجناياتالصلحالفتاوىالمعاملات

هل يجوز الصلح عن دية قتل الخطأ؟ وهل للوصي على القُصَّر ذلك؟

ما الأصل في تقييم دية المقتول خطأ؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5010)

 

السيد المحترم/ رئيس مجلس حكماء وأعيان س ج.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

تحية طيبة، وبعد:

فبالنظر إلى مراسلتكم المتضمنة السؤال عن حكم ما وقع من أحدِ أفراد الشرطة، حيث قام بقتلِ أحدِ المطلوبين خطأً، أثناءَ قيامِه بالقبضِ عليه، والجاني وعائلتُه ذوُو دخلٍ محدودٍ، وقد طلبَ والدُ المجني عليه ثلاثمائة وخمسين ألف دينارٍ مقابلَ الدية، فهل يجبُ على مديريةِ الأمن أو الوزارة سدادُ الديةِ عن الشرطيِّ الجاني؟ وهل يجوز لمن أراد أن يصلح بينهما أنْ يضغط على والدِ المتوفَّى؛ لتقليلِ المبلغ المطلوبِ، أو إلغائِهِ؟ علمًا أنّ للمتوفَّى زوجةً وأبناء قُصّر، ولم يتركْ لهم مالًا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنّ كان الحال ما ذُكر، وثبتَ أنّ القتل وقعَ خطأً، فالواجبُ في قتلِ الخطإ دفعُ الدّية لأولياءِ المقتول؛ لقول الله تعالى: ﴿وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَّصَّدَّقُوا…﴾ الآية: [النساء:92]، والأصل فيها أنها على العاقلة، قال ابن الحاجب رحمه الله: “وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا كَانَتْ خَطأً أَوْ فِي حُكْمِهِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِرَافٍ، وَبَلَغَتْ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، أَو الْجَانِي؛ أَيْضًا منجمة” [التوضيح:273/6]؛ والعاقلة الذين تجب عليهم الدية، هم عصبة القاتل من قرابته؛ وتشمل الآباء والأبناء والإخوة وأبناء الإخوة والعمومة وأبناء العمومة وإن بعدُوا، وكذلك أهل الديوان -جهة العمل والنقابة التي تضمهم-؛ لقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك في محضرٍ من الصحابة رضي الله عنهم [ينظر الاستذكار: 221/25]؛ قال ابن الحاجب رحمه الله: “وَالْعَاقِلَةُ: هِيَ الْعَصَبَةُ، وَأُلْحِقَ بِهَا أَهْلُ الدِّيوَانِ؛ لِعِلَّةِ التَّنَاصُرِ… وَيُبْدَأُ بِأَهْلِ الدِّيوَانِ، فَإِن اضطرَّ إِلَى الْمَعُونَةِ أَعَانَتْهُمُ الْعَصَبَةُ” [التوضيح:275/6]، والمقصود بأهل الديوان؛ مَن يشتركون مع القاتل في الوظيفة في أنحاء الدولة؛ قال الدردير رحمه الله: “الدِّيوانُ: اسْمٌ لِلدَّفْتَرِ، يُضْبَطُ فِيهِ أَسْمَاءُ الْجُندِ وَعَدَدُهُمْ وَعَطَاؤُهُمْ… فَيُقَدَّمُونَ عَلَى الْعَصَبَةِ، حَيْثُ كَانَ الْجَانِي مِنَ الْجُندِ، وَلَوْ كَانُوا مِن قَبَائِلَ شَتَّى” [الشرح الصغير:398/4]، ونقل ميارة عن ابن عبد البر رحمهما الله: “فإن عَجَزَ عَنْ سَدَادِهَا أَهْلُ الدِّيوَانِ وَالعَصَبَةُ، فَفِي بَيْتِ مَالِ المُسْلِمِينَ” [الروض المبهج:/2473].

فإنّ تعذرَ ذلك أيضًا كما هو الحال اليوم؛ لعدم إلزام العاقلةَ بالديةِ قانونا، وعدم فرض آليّة تنظمها؛ ولتعذّر أخذها مِن بيت المال، فالدية حينئذ تكون في مالِ الجاني وحده، لئلَّا يذهبَ دمُ المقتولِ هدرًا.

وينبغِي على مَن قلّده الله أمر المسلمينَ أن ينظمَ أمرَ الدية، بحيث لا يُغبن فيها أحد، وأن تُجعل صناديق في المؤسسات لجمع الديةِ، وجبر الضررِ بين المسلمين.

وأمَّا قدر الدية فقد جاء في قرار مجلس البحوث رقم (02) لسنة 1439هـ – 2018م، ما نصّه:

“1. الدّية في القتل تقدّر بالإبل (مائة من الإبل)؛ لأنّ الإبل هي الأصل منذ العهد الأوّل في تقويم الدّيات، ولإجماع العلماء عليها دون الأصناف الأخرى.

  1. يجوز دفع قيمة الإبل بالنّقد، وتقدّر قيمة الإبل في كلّ وقت بحسبه”.

وتكون منجّمة على ثلاثِ سنين؛ نقل البيهقي عن الشافعي رحمهما الله قوله: “وَجَدْنَا َعامًّا ِفي أَهْلِ العلم أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قضَى فِي جِنَايَة الْحُرّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْحُرِّ خَطَأً بِمِائَة مِنَ الْإِبِلِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي، وَعَاما فِيهِم أَنَّهَا ِفي مُضِي الثَّلَاثِ سِنِين، ِفي كُلِّ سَنَةٍ ثُلثهَا، وَبِأَسْنَانٍ مَعْلُومَة” [السنن: 190/8].

وأما الصلح عن الدية بتقليلها أو إلغائها، فليسَ لأحد التنازلُ عن حقّ القُصَّر من أبناء المجني عليه في الدية أو غبنهم؛ لأنه من التبرعِ في مالِ المحجورِ، وفيه تضييعٌ لحقوقهِ، إلا إذا احتاج القصّر أو خِيفَ على مالِهم الضّياع، فللوصيِّ أنْ يُصالحَ عن الدية للضرورة، قال الزرقاني رحمه الله: “(وَلاَ يَعْفُو) الْوَلِيُّ مَجّانًا أَوْ عَلَى أَقَلَّ مِنَ الدِّيَةِ إِلاَّ لِعُسْرِهِ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِرَاحِ أَيْ عُسْرِ الْجَانِي وَيَحْتَمِلُ عُسْرَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ” [الزرقاني: 538/5]، ونقل ابن أبي زيد عن أشهب رحمهما الله قال: “وَأَمَّا إِن كَانَتِ الدِّيَةُ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ في سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ، فَيَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَعَجَّلَ مِنَ الْعَاقِلَةِ لِلصَّبِيِّ مَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ وَفِيهِ لَهُ مَصْلَحَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَبْلَغَ الدِّيَةِ إِذَا خِيفَ فِي اتِّبَاعِهِم بِهِ ضَيَاعُ ذَلِكَ، وَإِن كَانَتِ الْعَاقِلَةُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَبَقَاؤُهُ عَلَيْهِمْ كَامِلاً مُؤَجَّلاً أَحْظَى لِلصَّبِي لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ” [النّوادر والزّيادات: 114/14].

عليه؛ فإن كانت الدية ستدفع مبلغًا ماليًّا صلحًا، بأن كان في ذلك مصلحةٌ لأبنائهِ القُصّر يخشى إن لم يقبلوا الصلح ضياع حقهم كله، ويكونُ الصلحُ مع الجاني حينئذ من الولي المنصَّب على القصر لا من غيره؛ ومال الصلح يدفعه الجاني لأنّ العاقلة لا تحمل صلحًا عند جمهور العلماء، ويدفعُ معجَّلا؛ لِمَا يلزمُ على التأخير من فسخ الدين في مؤخر، أو الصرف المؤخّر إن كانت نقودًا عن ذهب، قال الدّسوقي رحمه الله: “وَجَازَ الصُّلْحُ عَنْ دِيَةِ الْخَطَإِ بِحَالٍّ مُعَجَّلٍ فَيَجُوزُ أَخْذُ ذَهَبٍ مُعَجَّلٍ عَنْ وَرِقٍ وَعَكْسُهُ، وَكَذَا أَخْذُ أَحَدِهِمَا مُعَجَّلًا عَنْ إبِلٍ، وَالْمُرَادُ بِالتَّعْجِيلِ الدَّفْعُ بِالْفِعْلِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُلُولَ مِنْ غَيْرِ تَعْجِيلٍ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ دَيْنًا فَيَلْزَمُ الْمَحْذُورُ” [الشرح الكبير: 263/4]، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

29//ربيع الأول//1444هـ

25//10//2022م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق