طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالوقف

هل يكون الحبس على الذكور دون الإناث صحيحًا ماضيًا لو صدر حكم قضائي بصحته؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5058)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في وثيقة التحبيس ما نصه: “بعد أن استقر على ملك الحاج م ع، كامل قطعة الأرض البيضاء… الكائن مكانها بهنشير… [ذكر حدود الأرض]؛ حضر الآن وشهد به… وأشهد أنه حبس الأماكن التي على ملكه المحدودة…، على نفسه مدة حياته مقلدا في ذلك قول الإمام الثاني أبي يوسف…، صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت… إذ هو القائل بصحة التحبيس على النفس… ثم على أولاد صلبه الذكور الموجودين الآن وهم خ س ع ومن سيوجد له بقية عمره…، ثم على أولادهم الذكور وأولادهم كذلك، وهكذا في كل طبقة ودرجة ما تناسلوا وامتدّ فرعهم في الإسلام، لا يشارك ابن أباه ولا يحجب أصل غير فرعه، ومن مات منهم تنزل أولاده منزلته، فإذا انقرضوا عن آخرهم رجع ذلك حبسا على بنات المحبس المذكور إن كنّ، وإن عدمن فعلى أولادهم الذكور ثم على أولادهم،… غير أنَّ الأنثى من كل طبقة مهما كانت بكرا أو تيمت أو أصابتها فاقة تأتي للحبس المذكور وتستغل منه بقدر نصيبها…، حبسه حبسا مؤبدا ووقفا سرمدا لا يباع ولا يوهب ولا يورث… بتاريخ الرابع من الربيعين سنة سبع وثمانين ومائتين وألف”، وجاء في ذيل هذه الوثيقة نفسها حكمُ المحكمة الشرعية بطرابلس الغرب، ونصه: “بالمحكمة الشرعية المنورة بطرابلس الغرب… حضر م ع المحبس المذكور أعلاه، وادعى… على ابنه لصلبه خ أحد المحبس عليهم المذكورين أعلاه أنه حبس الأماكن المحدودة أعلاه… على نفسه مدة حياته مقلدا في ذلك الإمام الثاني أبا يوسف… والآن رأى فيه الرجوع ليبيعه ويتمعش بثمنه،… غير أنَّ ابني خ المدعى عليه المذكور منعني من البيع… بأي وجه يمنعني من ذلك؟،… أجاب خ المذكور بأن والده… صدر منه وقف ما حدد وسطر بأعلاه على مذهب قاضي القضاة أبي يوسف… سمع أفندينا الحاكم الشرعي المدعى إليه كلامهما وفهم خطابهما وعلم حكم الله في النازلة، أشهد حفظه الله أنه حكمَ بصحة الوقف المذكور ولزومه ورفع الخلاف فيه… على حسب نصه ومعناه حكما صحيحا أمضاه وقضاء صريحا نفذه وارتضاه وأوجب العمل بمقتضاه في عين المحكوم له وعليه، في ثاني الربيعين سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف”، فما حكم هذا الحبس؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالحبس على الذكور دون الإناث محلُّ اختلاف بين أهل العلم، والصواب الذي ترجحه الأدلة الشرعية، أنه غير جائز شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ) [البخاري: 2587]، وفي المدونة: “رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها إذَا ذَكَرَتْ صَدَقَاتِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِخْرَاجَ الرِّجَالِ بَنَاتَهُمْ مِنْهَا، تَقُولُ: مَا وَجَدتُّ لِلنَّاسِ مَثَلاً الْيَوْمَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، إِلّا كَمَا قَالَ اللهُ b: ﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ ‌خَالِصَةٌ ‌لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ﴾ [الأنعام: 139]” [المدونة: 423/4]، وقال الإمام مالك  رحمه الله في رواية عنه: “إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ” [شرح الخرشي: 88/5]، وهو اختيار الشيخ خليل رحمه الله في المختصر، قال: “وَحَرُمَ -أَيْ الْوَقْفُ- عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ” [مختصر خليل: 212]، وهو المعتمد في أكثر المذاهب.

والحبس على الذكور دون الإناث باطلٌ بالقانون الصادر سنة 1973م، المستند للفتوى الشرعية الصادرة من مفتي ليبيا السابق الشيخ الطاهر الزاوي رحمه الله، التي أيّدها قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء، رقم (2) لسنة 1435هــ 2014م، ونصّه: “بُطْلَانُ مَا كَانَ مِنْهُ قَبْلَ صُدُورِ قَانُونِ الْإِلْغَاءِ وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ…”.

فإذا صدر حكم بصحة الحبس قبل تاريخ صدور القانون بإلغائه فإنه يمضي؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف، جاء في قرار المجلس البحوث: “إِمضاءُ مَا كانَ قَبْلَ صُدورِ قَانونِ الإِلغاءِ إِنْ حَكمَ حاكِمٌ بِصحّتهِ؛ لِأنَّ حُكمَ الحَاكمِ يَرفعُ الخِلافَ”.

وعليه؛ فإنْ كان الواقع ما جاء في السؤال، فإنّ هذا الحبس على الذكور دون الإناث صحيح ماضٍ على ما شرطه الواقف، وذلك لصدور حكم قضائي بصحته، قبل صدور القانون رقم 16 لسنة 1973م، ولا يجوز للورثة التصرفُ فيه بالبيع أو القسمة أو غير ذلك؛ وإن كانوا فعلوا ذلك؛ وجبَ عليهم إرجاعه، وإنفاذه حبسًا على شرط الواقف، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

27//جمادى الأولى//1444هـ

21//12//2022م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق