طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

وثيقة حبس على الذكور دون الإناث

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5140)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في وثيقة تحبيس ما نصه: “فقد حبس وأبد وسرمد الشريف سيدي الحاج م ف على ابنه الرشيد المسمى م ح، ثم على عقبه الذكور دون الإناث، ثم على عقب عقبه كذلك الذكور دون الإناث، ما تناسل وامتد فرع نسبه في الإسلام، لا يشارك ابن أباه ولا يحجب أصل غير فرعه، ومن مات من عقب العقب ولم يخلف ذكرا رجع نصيبه لأخيه شقيقا كان أو لأب، وهكذا هلم جرا، فإذا انقرض العقب أو عقب العقب رجع حبسا على زاوية المشايخ أولاد سليمان السبعة -نفعنا الله ببركاتهم آمين- يصرف ريعه في مصالحهم حسب أوقافها … حبس المحبس المذكور وحدد أعلاه وعلى من يوجد له -إن قدر الله بذلك- كما ذكر أعلاه حبسا مؤبدا بمنافعه العامة وسائر مرافقه الشرعية وحظ ماء الشرب مما له ذلك، لا يباع ولا يوهب ولا يقسم قسمة بت ولا يورث حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، فمن سعى في تبديله أو حاد به عن سبيله فالله حسيبه ومجازيه، وولي الانتقام منه، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، وأذن المحبس للمحبس عليه في القبول والحوز فقبل فورا بصيغته وحاز جميع الأماكن حوزا معتبرا بالتطوف في الأرض، وحشر التراب، وتلقيط الحجر، وتكسير الكرانيف وفروع الشجر معاينة شهيديه، وقد قبل لنفسه وللعقب وللمرجع، وقد جعل المحبس المذكور للسايبة من بناته: م، وج، وف، وخ، الاستغلال خاصة بقدر نصيبها، فإن استغنت بمال أو زوج أو ولد رشيد فلا حق لها، ويلحق بأصله وبمن ذكر فيه وكيف ذكر… بتاريخ أوائل شعبان المعظم عام ثمانية وأربعين وثلاثمائة وألف”، فما حكم هذا الحبس؟ وهل من حق ورثة البنات المطالبة بنصيبهم من هذا الحبس؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالحبس على الذكور دون الإناث هو محل اختلافٍ بين أهل العلم، والصوابُ الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائزٍ شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ) [البخاري: 2587]، وفي المدونة: “رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها إذَا ذَكَرَتْ صَدَقَاتِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِخْرَاجَ الرِّجَالِ بَنَاتهم مِنْهَا، تَقُولُ: مَا وَجَدتُّ لِلنَّاسِ مَثَلاً الْيَوْمَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، إِلّا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ‌﴿‌وَقَالُوا ‌مَا ‌فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَّكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ﴾”[المدونة:423/4]، وقال الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه: “إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ” [شرح الخرشي:88/5]، وهو اختيار الشيخ خليل رحمه الله في المختصر، قال: “وَحَرُمَ – أَيْ الْوَقْفُ – عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ” [مختصر خليل: 212]، وهو المعتمد في أكثر المذاهب.

والحبس على الذكور دون الإناث باطلٌ بالقانون الصادر سنة 1973م، المستند للفتوى الشرعية الصادرة من مفتي ليبيا السابق؛ الشيخ الطاهر الزاوي رحمه الله، التي أيّدها قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء، رقم (1) لسنة 1443هــ 2022م، بتعديل القرار رقم (1) لسنة 1435هـ 2014م بشأن الوقف المعقب، ونصّه: “1- التأكيد على ما جاء في فتوى دار الإفتاء السابقة، من إلغاء الوقف على الذكور دون الإناث والقانون الذي وافقها في هذا الخصوص.

2- بطلان هذا النوع من الوقف من تاريخ صدور القانون رقم 16 لسنة 1973م، ويعمل بهذا القانون القاضي ببطلان عموم الوقف الذري، بالشق الخاص منه بالوقف على الذكور دون الإناث في الطبقة الأولى خاصة؛ لما فيه من الحيف والجور دون غيره من الوقف الذري، الذي لا جور فيه؛ لأنه يدخل في أبواب البر.

3- إمضاء الوقف على الذكور دون الإناث الواقع قبل الإلغاء، إن حكم به حاكم؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف.

4- تتم قسمة الوقف الذي حكم ببطلانه على ورثة المحبس الموجودين من الذكور والإناث وقت نفاذ القانون، بتاريخ: 24/04/1973م، ويعتبر المحبس كأنه مات في هذا التاريخ، فمن مات أصله قبل سنة (1793م) وكان هذا الأصل أنثى؛ فإنه لا يرث، ولا يدخل في القسمة، ومن استحق شيئًا من الموجودين يوم إلغاء الوقف بمقتضى الفريضة الشرعية؛ ذكورًا وإناثًا، فله التصرف في نصيبه بالبيع والهبة ونحوه”.

عليه؛ فيقسم الحبس المذكور – المُفْتَى ببطلانه – على ورثة المحبس، بتقدير موته بتاريخ: 1973/04/24م، وينتقل نصيبهم إلى ورثتهم من بعدهم، فمن كانت حيّةً من بنات المحبس في التاريخ المذكور؛ فإن لورثتها المطالبة بنصيبها، ومن توفيت قبل هذا التاريخ؛ فليس لورثتها المطالبة به، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

عبد الرحمن بن حسين قدوع

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

15//شعبان//1444هـ

07//03//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق