طلب فتوى
الأسئلة الشائعةالبيعالغصب والتعديالفتاوىالمعاملات

حكم نسخ واستعمال البرامج الالكترونية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5233)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

أعمل في شركة تقدم خدمات تقنية ومالية، وهذه الشركة تعتمد في عملها على استخدام برامج مدفوعة الثمن، ولكنها تستخدم هذه البرامج دون شراء تراخيصها، وهذه البرامج هي المصدر الأساس في أرباح الشركة، فما حكم المال الذي أتقاضاه على عملي في هذه الشركة؟ وما حكم ما ادخرتُه من أموال من هذا العمل؟ وإذا كان هذا غير جائز، وكان الموظف هو الذي باشر بنفسه تنزيل هذه البرامج للشركة، فهل يجب عليه حذفها من أجهزة الشركة قبل تركه العمل؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالبرامج المتاحة للناس لا يخلو إما أن تكون محمية والحقوق فيها محفوظة لأصحابها، أو غير محمية ولا حقوق لأصحابها، فإن كانت غيرَ محميةٍ ومفتوحةً لعامة الناس للاستعمال فإنه يجوز نسخها شرعا؛ لأن عدم حمايتها في قوة الإذن باستعمالها ونسخها من قبل أصحابها.

وإن كانت هذه البرامج مشتملة على ما يدلُّ على أن حقوقها محفوظة، وأن نَسْخها غير مسموح به مجانًا، أو كانت محمية بأي وجه من وجوه الحماية، فإن تفصيل الحكم فيها لا يخلو إما أن تكون الجهة المالكة للبرامج غير محاربة للمسلمين، وإما أن تكون معادية ومحاربة لهم.

وتفصيل الحكم في ذلك كالآتي:

1- أن يكون البرنامج تملكه جهة غير محاربة للمسلمين، وكان المتعدي عليه يستعمله لخاصة نفسه أو للنفع العام للمسلمين دون ربح، وكانت البرامج محمية على وجه من وجوه الحماية السابقة، فالتعدي عليها لا يجوز؛ لأن المال محترم شرعا، سواء كان مالكه مسلما أو غير مسلم، والغاية لنفع الناس لا تبرر الوسيلة بالتعدي عليها، ولأن تنزيلها بطرق متحايَلٍ بها هو من الغش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّ، فَلَيْسَ مِنَّا) [مسلم: 164]، ولأنَّ البرنامج مِلْكٌ للجهة التي أصدرته، وصرفت عليه الأموال الطائلة، فهو مالٌ من أموالها، لا يجوز التعدي عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [السنن الكبرى: 11325]، والحقوق المعنوية كالحقوق المالية، قال النووي في شرح حديث (فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّار…): “التَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الِاحْتِرَازَ مِنَ الْكَافِرِ؛ فَإِنَّ مَالَ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ وَالْمُرْتَدِّ فِي هَذَا كَمَالِ الْمُسْلِمِ” [شرح صحيح مسلم: 12/6].

2- أن يكون البرنامج تملكه جهة غير محاربة للمسلمين، وكان المتعدي عليه يستعمله لأغراض تجارية ربحية، كما هو في السؤال الوارد، فالتغليظ في التعدي عليه أشد، والتحذير منه أعظم، فلا يجوز استعماله إلا إن كان أصليًّا، وبعد دفع ثمنه، ولا يجوز اختراق حمايته ولا قرصنته من قِبَل المحترفين؛ لأنه اعتداء على حقوق الآخرين، والحقوق المعنوية المتمثلة في جهود الناس وابتكاراتهم هي في الحرمة كالحقوق المالية، ولأن شرط الحماية مما يجب الوفاء به، و(المُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ) [أبوداود: 3594].

3- إذا كانت هذه الجهة التي تملك البرامج محاربة للإسلام معلنة العداء عليه، فإن مال المحارب حينئذ لا حرمة له، ويجوز للمسلم أن يأخذه ويستعمله متى قدر على ذلك، ولكنه فَيْءٌ في بيت مال المسلمين، فلا يختص به من استولى عليه، وإذا كان بيت مال المسلمين غيرَ منتظم فيجب إنفاق هذا المال في مصالح المسلمين العامة، فإن كان هذا الربح المتحصل من البرامج ماديا فيجب إنفاقه في مصالح المسلمين العامة كما تقدم، وإن كان الربح المتحصل حقوقا معنوية فتجب إتاحتها لعامة الناس، وانتفاع الناس بها في هذه الحالة هو صرف لها في المصالح العامة.

وعليه، فيجب على صاحب الشركة المذكورة في السؤال التقيد بما ذكر، إمَّا بشراء البرامج إن كانت الجهة التي تملكها غير محاربة، أو بترك العمل في هذا المجال.

وإن كانت الجهة التي تملك البرامج محاربة، فما تتحصل عليه الشركة من المال ليس من حقها، بل يجب صرفه في مصالح المسلمين العامة، وليس لأصحابها ولا للعاملين فيها إلا أجرة مثلهم.

وفي حالة عدم التقيد بما ذكر، فيأثم صاحب الشركة؛ لاعتدائه على حق غيره، ويأثم العامل؛ لإعانته على هذا الإثم والعدوان، ويجب عليه ترك العمل، وليس عليه حذف ما باشر تنزيله بنفسه، بل هو واجبُ ربِّ العمل، إما أن يحذفها، وإما أن يدفع أثمانها.

وأما ما أخذه الموظف أو صاحب الشركة من أموال، فإنها لا تحل له إلا إذا دفع لأصحاب البرامج ما فوته عليهم باستعمالها وبيعها للآخرين، هذا إذا كانت الجهة المالكة للبرامج غير محاربة، وإلا فكل الربح المتحصل من التجارة في هذه البرامج يجب إنفاقه في مصالح المسلمين العامة وليس لصاحب الشركة والعاملين معه إلا أجرة مثلهم، كأنهم موظفون في هذه المؤسسة، كما تقدم، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عصام بن علي الخمري

عبد الرحمن بن حسين قدوع

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

23//ذو الحجة//1444هـ

11//07//2023م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق